شدد إمام وخطيب المسجد الحرام بمكة المكرمة الشيخ الدكتور صالح بن محمد آل طالب، على أن السعودية قد حفظت لمواطنيها الذين يعتقدون مذاهب مخالِفة خصويتهم؛ فلم تُهَجّرهم من أرض أو تجبرهم على معتقد كما تفعل الحكومات العلمانية في بلاد المسلمين، أو البلاد التي يكون المسلمون السنة أقلية فيها. وأشار إلى تجربة هذه البلاد الرائعة في التسامح والعدل ونبذ التعصب والإقصاء، وقال: "هو مبدأ نشأ مع بلدنا لا ينكره إلا من يتنكر لمبادئه، ومن أعظم إنجازات بلدنا إنهاء التعصب المذهبي الفقهي".
وأضاف في خطبة الجمعة التي ألقاها اليوم في المسجد الحرام بمكة المكرمة: "منهج المملكة العربية السعودية منذ قامت في مراحلها الثلاث، ركّز على الشريعة والنظام والتدين والدستور، ولم ينتهك حق طائفة أو يُلجئ صاحب معتقد لغيره. ومذ قامت هذه البلاد السعودية وفيها مواطنون يعتقدون مذاهب مخالفة لعقيدة الغالب من سكانها، حفظت لهم هذه البلاد خصوصيتهم؛ فلم تُلجئهم لمعتقد، ولم تُهجرهم من أرض على نحو لم تفعله حكومات علمانية في بلاد المسلمين، ولم تفعله بلاد كان المسلمون السنة أقلية فيها".
وأردف: "رأى الأعداء هذا التوافق وهم الذين حسبوا هذا التمايز خزان بارود يمكن أن يُستغل خصوصاً وقد جربوه في دول الجوار ونجحوا؛ حيث راموا العبث بهذا المفصل في شرق البلاد فخابوا، وتأملوا إيقاع الفتنة بين الناس فخسروا، ورد الله كيدهم، وكفى المسلمين شرهم، وباؤوا بدم حرام سفكوه، وبجرم عظيم انتهكوه، ولم يحقق الله لهم غاية، وكانوا لمن خلفهم عبرة وآية".
وأردف "آل طالب": "إن لهذه البلاد تجربة رائعة في التسامح والعدل ونبذ التعصب والإقصاء، وهو مبدأ نشأ معها لا ينكره إلا من يتنكر لمبادئه، ولقد أرسى الملك المؤسس الملك عبدالعزيز قواعد هذه الدولة وحكمها نصف قرن من الزمان، وهو في قوته وقوة دولته ومن بعده أبنائه الملوك، لم يؤثر أبداً أن هذه الدولة وهي في عنفوانها وقوتها قد أكرهت أحداً على دين أو تعصبت ضد أحد بناء على عقيدته أو طائفته".
وتابع: "لا يوجد في النظام أو التطبيق ما يشير إلى تمييز في الحقوق لعِرق أو طائفة، ومنذ تأسست الدولة وحتى اليوم، وقد دخلها للتجارة أو العمل مئات الآلاف؛ بل الملايين من المنتمين إلى أديان وطوائف، وبعضهم أقام سنين لم يتعرض واحد منهم لشيء يخص معتقده ومذهبه".
وقال: "نحن في عصر الاتصالات والتواصل وقدوم أكثر من سبعة ملايين من الحجاج والمعتمرين كل سنة؛ عدا الوافدين للزيارة والسياحة والعمل أو التجارة، لا يري أي قادم فارقاً في العبادة بين ما يجري في المملكة وغيرها".
وأضاف: "من أعظم إنجازات هذه البلاد: إنهاء التعصب المذهبي الفقهي؛ فبعد أن كان المسلمون يصلون بأربعة أئمة متفرقين في المسجد الحرام، يتوزعون بينهم عند كل إقامة للصلاة حسب مذاهبهم، صاروا يصلون خلف إمام واحد يتحرى بهم صلاة النبي صلى الله عليه وسلم دون الالتفات إلى انتماء مذهبي".
وأردف خطيب الجمعة: "الزائرون للحرمين الشريفين يرون ويسمعون المدرّسين في الحرمين، يذكرون مذاهب الأربعة عند تقرير الدروس باحترام وتبجيل لكل منهم، وعدم التفريق بينهم، وإذا أفتى المفتي فلا يتقيد بمذهب معين من مذاهب أهل السنة؛ وإنما يختار ما يعتقد أنه أرجح دليلاً، ولا يلتزم القاضي بمذهب معين؛ فإذا قضى بالدليل بما يوافق مذهب أحد الأئمة فلا يمكن أن يُنقض حكمه بسبب اختيار ذلك المذهب".
وتابع: "عندما شكلت هيئة كبار العلماء في هذه البلاد، كانت تضم علماء ينتسبون إلى المذاهب الفقهية الأربعة، ولا تزال كذلك منذ أكثر من 40 عاماً".
وقال "آل طالب": "أهل الفكر والإصلاح في هذه البلاد يقاومون كل حركة رجعية لإحياء التعصب المذهبي؛ فقد نجحت الحركة العلمية في هذه البلاد منذ تأسيسها وحتى اليوم في ربط الناس بالدليل واتباع الوحي ونبذ التعصب؛ فيقدم القادمون للمملكة فلا يرون مذهباً خامساً ولا ديناً غير الدين الذي يعرفونه، ولا تفسيراً خاصاً للاسلام.. وتُنقل الشعائر والصلوات وخطب الجمعة بكل وسائل الإعلام المتنوعة إلى شتى أصقاع الأرض؛ فلا يرى أحد أن في المملكة طريقة للدين مختلفة".
وأشار إلى تَرَفّع المملكة عن الخرافات والبدع، وتحريها دين الله الصحيح، وحذّر من أعظم الفتنة، وهي الطرح الهزيل المنهزم لعامة وخاصة يعودون على قيمهم ومبادئهم بالاتهام والتشكيك، ويشيعون أن منهج أهلهم الذي سَمَوْا به عقوداً، هو سبب الفتنة.
وقال: "ألا في الفتنة سقطوا"؛ لأنهم يتطالون على النظام الذي قامت عليه دولتهم، وهو سر بقائها "يُخرِبون بيوتهم بأيديهم".
وأضاف: "ألا يخجل المتخاذلون مِن أن يتهموا مجتمعهم وجامعاتهم ودينهم ودولتهم بالتعصب والتطرف، أو يتهموا منهجهم بإفراز الطائفية؟! إن هذا الحيف في هذا الاتهام هو الذي يفرز التعصب والتطرف، ويوغر الصدور، ويؤلب الأعداء؛ حيث طعن بعض أبناء هذه البلاد بمناهج التعليم، ويعودون باللائمة على دينهم ونظام بلدهم، هو خطأ في النظر وقصور في التفكير وانهزام في الروح".
وأردف: "عيب على مَن يزايد ويستغل مصاب وطنه في سلّ قلمه وأن يسلق بلسانه حكّاماً وعلماء وأنظمة ومناهج".
وشدد إمام وخطيب المسجد الحرام على أن أمن الحرمين الشريفين هو أمن كل مسلم على وجه الأرض، وأنه لا مساومة على أمن المملكة تحت أي ظرف ولأي سبب.
وقال في خطبة الجمعة التي ألقاها اليوم في المسجد الحرام بمكة المكرمة: "لقد وصل الوعي -ولله الحمد- بمواطني هذا البلد، إلى حد إدراك المؤامرات التي تستهدف وحدة هذه البلاد وأمنها، وأن الأعداء يستخدمون الإرهاب وأحداث الفوضى لتحقيق مآربهم، ويغررون بالسفهاء لتنفيذ مخططاتهم".
وأضاف: "لقد باتت الأمور أوضح من ذي قبل، ولا بد من التأكيد على حرمة دماء المسلمين؛ فضلاً عن المستأمنين والمعصومين، قال تعالى: {وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِناً مُتَعَمِّداً فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِداً فِيهَا وَغَضِبَ اللهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَاباً عَظِيماً}، وقوله صلى الله عليه وسلم: "منْ قَتَلَ مُعَاهَداً لَمْ يَرَحْ رَائِحَةَ الجَنَّةِ"؛ متسائلاً: فكيف لو كان القتل لإيقاع الفتنة؟ أو استهداف لرجال يحفظ الله بهم أمن البلاد والعباد؟".
وأردف: "يجب البعد عن كل موقف وقول يثير العداء والخلاف؛ فأمن البلاد لا يقبل المساومة أو المزايدة، وأدعو المخلصين لوضع الأمور في نصابها، وأن تسمى الأمور بمسمياتها، وترد الحوداث إلى أسبابها، من غير حيف أو تجاوز؛ فبالصدق والإخلاص تصلح الأمور وتدفع الشرور".