أكد إمام وخطيب المسجد الحرام الشيخ الدكتور عبدالرحمن السديس، أن السلفية بمفهومها التأصيلي عقيدة وقيم ومنهج وحياة، لا يصلح الزمان والمكان إلا بها، مستدلاً بقول شيخ الإسلام ابن تيمية: "إن من طريقة أهل السنة والجماعة اتباع آثار الرسول صلى الله عليه وسلم باطناً وظاهراً، واتباع سبيل السابقين الأولين المهاجرين والأنصار، واتباع وصية رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ حيث قال: (عليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين من بعدي، تمسكوا بها وعضوا عليها بالنواجذ، وإياكم ومحدثات الأمور فإن كل بدعة ضلالة وكل ضلالة في النار)". وقال "السديس" في خطبة الجمعة، التي ألقاها اليوم بالمسجد الحرام: "ذلك لا ينافي الأخذ بالتجديد في وسائل وآليات العصر والاستفادة من تقنياته في مواكبة للمعطيات والمكتسبات؛ فلا يضير هذه الدعوة الغراء الساطعة ما يعتري أفعال البشر من خلل أو زلل؛ فكل يُؤخذ من قوله ويُرَد؛ إلا قول رسول الله صلى الله عليه وسلم، كما لا يضيرها أفعال بعض المنتسبين إليها ممن تشدد أو تساهل؛ فدين الله وسط بين الغالي فيه والخافي عنه".
وأضاف: "هذا لا يقتضي أبداً النيل من رموزها، والوقيعة في علمائها، والطعن في درر مؤلفاتها، وسلبها عن سياقاتها الصحيحة ودلالاتها الواضحة بأفهام مغلوطة وأهواء مقصودة، ولا يكون خطأ بعض الأفراد وشططهم في فهم وتطبيق بعض المصطلحات الشرعية محسوباً على المناهج والمبادئ والأصول، مع دعوة مناشد وطالب الحق والمنصفين بعدم الإصغاء إلى الشائعات المغرضة والمُحرّضة، ومن فضل الله على هذا المنهج السلفي أن كَتَبَ الله البقاء والانتشار بعكس الكثير من الشعارات والدعوات التي تعثرت واندثرت".
وأردف "السديس": "لقد تفيأت بلادنا المباركة (بلاد الحرمين الشريفين) في تاريخها الإسلامي المشرق عقيدة سلفية ودعوة إصلاحية تجديدية، أسفرت عن التمكين المكين لهذا الدين المتين بعد المراهنة مع جحافل الزيغ والباطل التي اندحرت بفضل الله، والتي منها دعوة الإمام المجدد إمام الدعوة الشيخ محمد بن عبدالوهاب؛ حيث قام بالدنيا مقام هداية يدعو إلى التوحيد والإيمان، وأضاء نوراً متألقاً يهدي به إلى الله؛ فقد كانت دعوته دعوة تجديدية لما دَرَس من الملة والدين، تصحيحية لما فسد من معتقدات بعض المسلمين".
وتابع: "لقد حارب البدع والخرافات والآراء الشاذة والضلالات، ولم تكن دعوة إلى دين جديد، ولا إلى مذهب خامس؛ بل ترسّمت هدي سيد الأنبياء والصحابة الأصفياء والتابعين الأوفياء، بالعمل بالكتاب والسنة، وهي بريئة كل البراء عن ممارسات التكفير ومنهج الخوارج الخطير، ومع ذلك فقد لقيت هذه الدعوة الإصلاحية من المزاعم والافتراءات والتشويه والشائعات الكثير".
وقال إمام الحرم: "مع أننا في زمن المعلومة الصحيحة وإنكار معرفة الحق والحقيقة؛ إلا أن وصمها ولمزها بالوهابية لا يزال صداه يطرق مسامع أبنائها؛ فلا يزيدهم إلا إصراراً وثقة بالحق واستمساكاً به؛ مؤكداً أن بلاد الحرمين الشريفين؛ تنهج المنهج السلفي والوسطي المعتدل القائم على نور الكتاب والسنة ومنهج السلف الصالح لهذه الأمة؛ فتقبل الحق ممن جاء به دون النظر إلى أصله أو نسبه أو شكله أو رسمه، وتمد يدها للاجتماع والائتلاف والتعاون مع جميع المسلمين في تحقيق الأخوّة الإسلامية والاعتصام والوئام ونبذ الفُرقة والانقسام".