هجروا الوطن والخِلان, وودّعوا الأهل والأحباب، قاصدين تلك القارة السمراء, ومُفضّلين العيش بين الفقراء كسباً لقلوبهم، بعدما كانت هِممهم عالية, وعواتقهم لا تحمل سِوى الدعوة إلى دين الله الحق، فوضعوا حقائبهم رحالهم في جمهورية "بوروندي" الإفريقية شرق القارة السمراء. وقاموا في البداية بتأسيس جمعية دعوية خيرية, تُنقذ ساكنيها من شبح الجهل والضلال، وتنقلهم لعالم العلم والمعرفة دُنيا وديناً, فعمروا البلاد بالنهضة التي أنارتها ليل نهار, وكل تلك الجهود كان يقف خلفها عددٌ من الدعاة وطلاب العلم في وطننا الغالي, اختاروا أن يضعوا أموالهم في صدقات جارية تنهل لهم أجوراً بإذن الرحمن يوم لُقياه.
أنقذتهم من شبح الجوع وضلالة الجهل
نشطت الجمعية ذات الأهداف التعليمية والدعوية والخيرية والتنموية غير الربحية, في عام" "2006م, بهيكلٍ إداريٍ عربيٍ كاملٍ, وذي ترخيصٍ من وزارة الداخلية, ومارست أعمالها في تلك البلدة التي تتربع بين حوض من البحيرات المُترامية الأطراف, مُستعينة بفضل الله بعددٍ من الدُعاة والجمعيات الخيرية التي أعادت الأمل لساكنيها, ورؤيتها السامية هي بناء مجتمع مُسلم, وأما رسالتها فهي ممارسة العمل التطوعي الإغاثي والتعليمي من خلال قيم ونظم مراعى فيها أعلى المعايير المهنية, هادفةً مُنذ نشأتها على رفعها لمستوى المسلمين فيها " إيمانياً ، تربوياً ، صحياً ، مهنياً", وكذلك إعدادها وتجهيزها الدعاة والداعيات, إضافةً إلى دعوتها غير المسلمين للإسلام, وتعليم المُهتدين الجدد الإسلام واللغة العربية ورعايتهم بين أدغال تلك الدولة.
إنجازات عُظمى ونتائج تُبهج القلوب
تلك الأعمال الجليلة والعظيمة لم تذهب سُدَى, بل حقّقت تغيّراً ملحوظاً جعل تلك الوجوه التي يعلوها الانكسار والعيون التي يُحيط بها البؤس ترى أحلاماً لم تتوقع رؤيتها على أرض الواقع, وأن حياتهم ستُشرق بعد أن أظلمت وتهالكت, لتُثمر عن اعتناق أكثر من "10 آلاف مواطن بوروندي" للإسلام, بعدما أُنشئ مركز سُميّ باسم "مصعب بن عمير لتعليم المُهتدين الجدد", عُقدت بداخله 22 دورة، تخرّج منها 1117 مُسلماً جديداً, وكذلك أُنشئ مركز الفرقان للقرآن الكريم، فتخرّج منه 12 حافظاً للقرآن من أصل 42 طالباً, كما أُنشئ مركز خديجة لإعداد الداعيات, الذي يسعى لتخريجهن حافظات لكتاب الله ويتحدثن باللغة العربية والعلوم الشرعية, ولم تتوقّف تلك النجاحات عند هذا الحد بل وصلت لبناء 30 مسجداً وجامعاً في مُختلف مناطق "بوروندي", مدعومة بعدد مثيل في حلقات تحفيظ القرآن الكريم, إضافة إلى إقامتها ملتقيات ودورات شرعية للدعاة وحلقات لتعليم المُسلمين الجدد أصول دينهم, وتسيير قوافل دعوية في أرجاء البلاد، وكذلك إقامتها لمناظرات منهجية واضحة بين القرآن الكريم والإنجيل المُحرّف، علاوة على إقامة مشاريع موسمية ولعشرة أعوام على التوالي, ما بين "إفطار للصائم, ومشروع للأضاحي, وتوزيع للكفّارات والصدقات".
المدير العام ل"الجمعية" سليمان بن عبد الله المهوس, الذي يقطن بين تلك الأدغال الإفريقية, خصّ المجتمع السعودي بعبارات أهداها عبر"سبق": "نُهنئ قادتنا وحكامنا وعموم الشعب السعودي بمناسبة بلوغ شهر رمضان المبارك, داعياً الله أن يُبارك فيه وأن يجعله شهر خير وغفران لعموم المسلمين".
وأضاف: "العيش بين فقراء كإفريقيا له ميزة خاصة لا يعرفها سِوى من عاش تفاصيلها, تجد البساطة والبراءة والمحبة والوفاء, وجُل دعواتهم مُنصّبة نحوكم يا أبناء الوطن, خيراتكم لا تُعد وتصل لكل بقاع الأرض وإفريقيا كان لها نصيب من ذلك, فالجمعية لم تُنشئ إلا بكم بعد الله, وها هي الآن رائدة في العمل الخيري وتعمل بشفافية ووضوح وتسعى بالمساهمة في تنمية البلد واتخاذ ما بوسعها للنهوض بالإسلام والمسلمين في بوروندي."
وختم"المهوس "رسالته المُوجّهة للشعب قائلاً: "دعمتم فبُورك فيكم.. قدّمتم فلكم الضعف من الرحمن, سيروا على نهجكم وساندوا الجمعية التي بإذن الله ستقوم بإيصال رسالة الإسلام إلى كل شبر من هذه البلاد, فقد كفوكم إخوانكم النصب فاكفوهم المؤونة, ومن يُقدّم شيئاً اليوم يجد له رصيداً مُدخراً في يوم نتمنّى جميعاً بأن نُحقّق فيه نصيباً من الفوز برضاء الرحمن, سائلاً المولى العلي القدير أن يكتب لكم أعالي الجِنان, وأن يُبارك في أموالكم وأولادكم, وأن يجعل ذلك مصدراً في سعادتكم وتوفيقكم ونجاة لكم من الكروب والأزمات".
همسة شكر وتجديد للعطاء
وقفاتٌ مستمرة, وعطاءٌ لا حدود له, أناسٌ يبذلون ما بِوسعهم, فلا نملك لهم سِوى الدعاء وأن ندعهم بما نستطيع تقديمه, فالجنة غالية ودعوة الفقير والمُحتاج غاية, وخيرات بلادنا لا حدود لها ولله الحمد, وعُرِفنا مُنذ الأزل بالكرم والوقوف مع المُحتاج والضال, فكيف لمن جمع بين الفقر والضلال ويواجه أنياب مُفترسة من مجتمعات تبحث عن صده عن الحق، فأرغمته الحاجة إلى الانصياع مُقابل سدهم لجوعه المؤلم.