بدأ موسم صيد الصبان باكراً هذا العام على غير موعده المعتاد سنوياً في "الكنة"، أو ما تسمى ب"كنة الصيف" أو "كنة الثريا"، وهو الموسم الفاصل بين الصيف التصويري والصيف الفعلي، من 23 أبريل ولمدة 40 يوماً، يصل فيها الضب إلى أفضل درجات قيمته الغذائية. وعزا هواة صيد الضبان -بدايةً- إقبالهم عليها باكراً إلى كمية الأمطار التي شهدتها مناطق المملكة، والتي انعكست على خضرة الأرض وتنوع الأعشاب التي يتغذى عليها الضب؛ مما جعله مثار اهتمامهم مؤكدين أن طعمه وقيمته الغذائية هذا العام تعتبر استثنائية.
"القيمة الغذائية للضب" وأكدت الدراسات أن القيمة الغذائية للحم الضب المعروف علمياً باسم "uromastyx"، تختلف بحسب الفترة الزمنية لصيده وحسب قطعية اللحم، بزيادة كمية الدهون "السعرات الحرارية" فيه بعد خروجه من بياته الشتوي لتبدأ في الانخفاض التدريجي حتى نهاية الكنة وحلول البداية الفعلية لفصل الصيف.
وتعتبر نسبة كمية الدهون في لحم الضب أقل بحوالي النصف من نسبتها في بقية لحوم الحيوانات الأخرى، إلا أن نسبة الكولسترول في دهن الضب أكثر من ضعفي الكمية الموجودة في لحم الخروف النجدي، فقد بلغت كمية دهن الضب 483 مليجرام في كل 100 جرام دهن، أما في الذيل "العكرة" فقد وصلت إلى 449 مليجرام لكل 100جرام دهن. في حين أن دهن الخراف النجدية بها 183 مليجرام كولسترول فقط لكل 100 جرام دهن.
كما أثبتت الدراسات أن لحم الضب غني بالبروتينات، ويحتوي على جميع الأحماض الأمينية الأساسية التي يحتاج إليها الجسم، وتتماشى مع توصيات المنظمات العالمية مثل: منظمة الصحة العالمية، والفاو.
وتبلغ القيمه الغذائية في كل 100 جرام من لحم الضب -بحسب الدراسات العلمية-: "20.16 جرام بروتين، 4 جرامات دهون، 1.18 جرام رماد، 67.22 جرام ماء، 1315 مليجرام بوتاسيوم، 215 مليجرام فسفور، 106 مليجرام صوديوم، 43 مليجرام مغنيسيوم، 10.21 مليجرام كالسيوم".
اختلاف العلماء في حكم أكل الضب: سُئل الشيخ صالح المغامسي عن مشروعية أكل الضب فأجاب: "اختلف العلماء -رحمهم الله- في حكم أكل الضب، فذهب الشافعية والحنابلة إلى جوازه مستندين إلى ما ورد من أحاديث أشهرها حديثان: حديث عبدالله بن عمر وهو حديث صحيح، أن النبي -صلى الله عليه وسلم- سُئل عن الضب فقال: لا آكله وأحرمه".
وبين المغامسي أن الحديث الثاني، وهو أيضاً حديث صحيح: أن النبي -صلى الله عليه وسلم- دخل مع خالد بن الوليد على ميمونة بنت الحارث، وهي خالة خالد -رضي الله عنهما-، وكانت قد قدمت عليها أختها حفيدة من أرض نجد قبل ذلك بأيام، ومعها ضب، وقُدم الضب محنوذاً للنبي -صلى الله عليه وسلم-، فآوى بيده إليه".
وتابع المغامسي: " فقلن بعض النسوة: أخبرن الرسول -صلى الله عليه وسلم- بما قدم إليه، فقالت إنه الضب، فرفع -صلى الله عليه وسلم- يده، فقال خالد بن الوليد: أهو حرام يا رسول الله؟! فأجابه: لا، ولكنه لم يكن بأرض قومي فأجدني أعافه، قال خالد: فجررته وأكلته ورسول الله ينظر إلي -صلى الله عليه وسلم-".
وأضاف المغامسي: "فيما قال الأحناف إن أكل الضب لا يجوز، مستدلين بأن النبي قدم له الضب فقال: لا أدري إذ أمةٌ من الأمم مسخت فأخاف أن يكون هذا منها"، كما قالوا إنه من الخبائث، وقالوا إنه من الحشرات ودواب الأرض".
وأردف: "أجاب الحنابلة والشافعية: إن كان من الحشرات ودواب الأرض فهذا لا يمنع من أكله بدافع حديثيْ خالد وعبدالله بن عمر، أعلاه، وأما القول بأنه من الخبائث، فهذا بعيد، والضب معروف أنه يأكل نبات الأرض، وأما ما أوردوه من حديث الأمة التي نسخت، فهذا مبين بحديث جاء بعد ذلك: أن من مسخهم الله لا يجعل منهم نسلاً ولا ذرية".
ورجح "المغامسي" اختيار الحنابلة والشافعية بجوازه، مبرراً ذلك بأنه الاختيار الأقوى والأولى من جهة الحجة والدليل، موضحا أنه أيضاً مباح لدى الإمام مالك لرؤيته عموم قول الله عز وجل: "قُل لَّا أَجِدُ فِي مَا أُوحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّمًا عَلَىٰ طَاعِمٍ يَطْعَمُهُ إِلَّا أَن يَكُونَ مَيْتَةً أَوْ دَمًا مَّسْفُوحًا أَوْ لَحْمَ خِنزِيرٍ فَإِنَّهُ رِجْسٌ أَوْ فِسْقًا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّهِ بِهِ ۚ فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ بَاغٍ وَلَا عَادٍ فَإِنَّ رَبَّكَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ".
أساطير علاقته بالعقرب السوداء والجن والديك: لم ينج الضب من الأساطير المتداولة حوله، بدءاً من تلك القصة الشهيرة لضبٍ تلبسه الجن ليطرق سقف سيارة صائده، ويطلب منه النزول شاكراً له توصيله، بل ونسبت هذه القصة لآلاف الأشخاص في عدد من المدن، كل على حدة؛ ليتم تصديقها، وبين الأسطورة الساخرة لثأره من الديك بقطع ومصادرة عضوه التناسلي، بعد أن وجده برفقة زوجته "المكون"؛ ليصبح الضب بعضوين ذكوريين، بينما الديك بدون أعضاء!
كما شابت علاقة الضب بالعقرب السوداء التي تعيش معه في بداية جحره بحوالي 20-50 سم -بحسب بعض التقارير العلمية-، الكثير من الأساطير، إحداها أنها خالته من الرضاع! إلا أنه على الرغم من ذلك، استهوى تعايشهما معاً الكثير من البرامج الوثائقية والباحثين العرب والأجانب، والذي اعتبره بعضهم علاقة مصالح مشتركة، بحيث يوفر العقرب الحماية للضب من أعدائه مقابل المأوى وبعض الفرائس.
تعددت الأماكن و الأساليب والصيد واحد: قال مبارك الجميلي: وهو من هواة صيد الضبان منذ عام 1404ه ل"سبق": "تتنوع الطرق المستخدمة في صيد الضب، فمنها الصيد بالبنادق النارية، وهي أسهل الطرق، وأكثرها راحة، إلا أنها ساهمت بشكل كبير في الصيد الجائر الذي لا يقره الدين قبل الخُلق".
وأضاف الجميلي: "البعض يلجأ إلى طرق أخرى متعبة كالصيد بالجري خلف الضب، أو سهلة لكنها مكلفة كاستخدام الماء في إيهام الضب بأن المطر قد بدأ في النزول، أو غير صحية كالصيد باستخدام عادم السيارة في إخراج الفريسة خشية الاختناق".
وأكد "الجميلي" أن هذه الطرق تعد الأشهر والأكثر استخداماً، بينما هناك الكثير من الطرق الغريبة والمبتكرة الأخرى، منبهاً الصيادين لعدم إدخال أيديهم داخل جحور الضبان لاحتمالية وجود العقرب التي دائماً ما تلازم الضب في مسكنه، كما أهاب بعدم إتلاف الجحور أو حفرها خلال الصيد.
وأبدى "الجميلي" حزنه مما يراه من أشكال الصيد الجائر التي ساهمت، وبشكل كبير، في ندرة وجود الضب خلال هذه الأيام، بعكس سنوات مضت كان منتشراً فيها، وبشكل كبير، حتى بجوار الشوارع والطرقات خارج المدن.
وأضاف "الجميلي" أنه اصطاد طوال الثلاثين عاماً الماضية في أغلب مناطق المملكة، مؤكداً أن الضب في وادي الرشاء بالدوادمي يعد الألذ طعماً -بحسب رأيه-، وذلك لطبيعة الأعشاب الحمضية هناك، إلا أن وجوده أصبح نادراً للغاية، بعكس سعيرة حايل، والتي تعد المكان الأكثر وفرة بحسب مشاهدته، وذلك لقلة الاهتمام بصيد الضبان في شمال المملكة، عكس وسطها.
المسؤولية الحكومية في منع الصيد الجائر: وأوضح الناشط البيئي نائب المشرف العام والمشرف السابق على الأقسام البيئة بمنتديات مكشات عبدالسلام السلمان، أن الضب المعروف علميا باسم "uromastyx"، وله قرابة خمس سلالات في السعودية أكبرها حجماً وأشهرها "uromastyx Egyptian"، مؤكداً تناقص أعداده حالياً بشكل مخيف؛ نتيجة الصيد الجائر والمتاجرة فيه، حيث لا زال البعض يعتقد بفوائده الطبية عند تناوله، على الرغم من أن الأبحاث أثبتت احتواءه على معدلات عالية للغاية من الكولسترول الضار، ولم يثبت علمياً أن له فوائد طبية خاصة وفريدة تشجع على هدر هذه الثروة البيئية -بحسب تصريحه-.
وانتقد "السلمان" بروز ظاهرة التفاخر بصيد أكبر عدد من الضبان في السنوات الأخيرة، وعرضها بالصور، مع انتشار وسائل التواصل والمنتديات؛ مما أدى إلى تناقص أعدادها في كثير من المناطق واختفائها تماما من مناطق أخرى، مطالباً بتدخل الجهات ذات العلاقة في حمايته؛ لكونه يشكل جزءاً من منظومة التوازن البيئي الذي يحقق تكافؤا بين أعداد الكائنات في بيئتها الطبيعية، بحسب تصريحه.
وقال "السلمان" ل"سبق": "حماية الضب من الانقراض مسؤولية مشتركة بين الهيئة السعودية للحياة الفطرية التي يجب أن تسن مزيداً من القوانين لحمايته، والبلديات التي يجب أن تمنع بيعه في أسواق الحيوانات والطيور، ومسؤولية الجهات الأمنية في حضر التنقل ببنادق الصيد الممنوعة مثل: الخرازات والشوازن ومسؤولية رؤساء مراكز المدن والقرى في دعم الجهات الأمنية في منع حمل تلك الأسلحة".
المسؤولية الفردية لحمايته من الانقراض: وناشد السلمان، عبر "سبق"، هواة الصيد باستشعار المسؤولية البيئية الوطنية بعدم الإسراف في صيد الضبان، وخاصة في موسم التكاثر، وإطلاق أي أنثى تم صيدها إذا ثبث حملها للبيض، وهي ما تعرف ب"المكون"، وترك صيد الأحجام الكبيرة منها؛ لأنها هي التي تعيد أعداده من جديد من خلال التكاثر.
وأضاف: "قمنا في منتديات مكشات المتخصصة لهواة الرحلات والصحراء بخطوات مهمة في هذا الجانب، من حيث طرح عدة مواضيع تعريفية عن الضب، ومنع وانتقاد كل صور الصيد الجائر، كما تم كذلك إبراز دور عملية إطلاق الضب من جديد في بيئته الطبيعية".
وكشف السلمان عن مبادرة أعضاء "مكشات" في وقت سابق، بجمع أعداد كبيرة من الضبان الحية من السوق، وإعاده إطلاقها في بيئات مناسبة لها، كما بادر البعض منهم بإكثارها في محميات خاصة قبل الإطلاق.