طالب إمام وخطيب المسجد الحرام بمكة المكرمة، عميد كلية الدراسات القضائية والأنظمة بجامعة أم القرى، الشيخ الدكتور سعود بن إبراهيم الشريم، الأمة أفراداً ومجتمعات، باليقظة واصطحاب الحذر ما دامت لهم عين تطرف وقلب ينبض، وقال: "الحذر سياجٌ آمن وحبل ممتد يتمسك به المجتمع والفرد ليقوم كل واحد بما أوجبه الله عليه، تحت ظلّ وارف من أمنه الشخصي والفكري والصحي والغذائي، دون إفراط ولا تفريط". وأشار الشيخ "الشريم" إلى أن "الحذر احترازٌ يدل على وعي الفرد والمجتمع؛ لأنه لون من ألوان الوقاية، قال تعالى: {وما الحياة الدنيا إلا متاع الغرور}"، وعرّف الحذر بأنه "بذل الحيطة والتأهب الدائم للأمور قبل وقوعها"، وبأنه "ظاهرةٌ صحيةٌ ما دامت في إطارها المعقول؛ لأنها وقاية تُغني عن العلاج، ومن كان حذراً صار صوابه أكثر من خطئه"؛ مبيناً أن "الحذر واليقظة سبب مشروع".
وقال فضيلته في خطبة الجمعة التي ألقاها اليوم بالمسجد الحرام بمكة المكرمة: "عندما يُرَبّي المرء نفسه على الحذر المشروع؛ فإنه سيتقي كثيراً من الأخطاء والهفوات والغدر والخيانة والكيْد، وسيدرك أنه ليس كل بيضاء شحمة، ولا كل سوداء فحمة، ولا كل لامعٍ ذهباً، وأن الأمور تبدو مع الحذر لا كما الغفلة؛ فالناس ليسوا على قلب رجل واحد".
وزاد فضيلته: "فلربما دلّك الحذر على أن تتقي عدوك مرة واحدة، وتتقي صديقك ألف مرة؛ لأنه أدرى بمضرّتك من عدوك؛ فإياك والغفلة فقد توردك المهاك"؛ مؤكداً "أن أشد غدرة يتلقاها المرء هي غدرة المبتسم؛ فبعض الناس يَلدغ باسماً".
وأوضح "الشريم" أنه لا غنى لأمة الإسلام عن الحذر حكّاماً وعلماء ومفكرين وشعوباً؛ بل الواجب علينا جميعاً ألا نكون مغفلين يقلبنا الخداع حيث شاء أهله، ابتداء من نفس الإنسان الأمارة بالسوء، وانتهاء بالأمة في مجموعها؛ إذ على المرء أن يُلجم نفسه بتقوى الله؛ حتى لا تجثم الذنوب على قلبه والظلم والكبر؛ فلا يحفظ لسانه عن عرْض، ويده عن بطْش".
ولفت فضيلته إلى أن "الحذر مطلوبٌ في صغار الأمور وكبارها"؛ مضيفاً أن من الخير الذي يُتقى به الشر الحذر والحيطة، وقال: "الحذر من مكر الله سبحانه هو من أعظم الحذر؛ لأن من أَمِن مكر الله هلك وخسر"؛ لافتاً إلى أن "تراكم النعم مظنة الغفلة التي أوقعت الناس في الخطأ؛ فاستمرؤوه حتى تصيبهم قارعة أو تحلّ قريباً من دارهم".
وتابع فضيلة الشيخ "الشريم" منبهاً على أهمية الحذر لكونه جزءاً من القدر؛ فيكون فراراً من قدر الله إلى قدر الله، وقال: "حتى الموت فإنه يُحذر إذا كان في المَوَاطن التي تؤدي إلى التهلكة، قال تعالى: {ولا تقتلوا أنفسكم إن الله كان بكم رحيماً}".
ودعا عميد كلية الدراسات القضائية والأنظمة بجامعة أم القرى إلى الاعتدال في الحذر؛ لئلا يجرّ صاحبه إلى تغليب سوء الظن مع أهله وصحبِه وبني مجتمعه؛ فيشك في كل شيء حتى لا يطمئن في أحد، ولا يثق في أحد؛ فيَفْرَق من الهمس، ويجزع من اللمس، فيرى كل من أمامه خصوماً له، وهذا داء من لا يُفَرّق بين الحذر والوسوسة.