لم يكن من المستغرب أن تجد مصلِّ منهمك بعد أن يفرغ من صلاته باللهو في أحد البرامج بجواله الذكي، والحقيقة أن المصلّ المنهمك كما يظهر للعيان في اللهو ما هو إلا مستخدم لأحد البرامج الجديدة على مجتمعنا والخاصة بالتسبيح عقب الصلاة، حتى أن المسبحة والتي ارتبطت دوماً ب " برستيج" الرجال, أخذت في الخفوت والانزواء جانباً لتفسح المجال للتكنولوجيا الجديدة. وبانتشار تلك البرامج تراجع حب الناس للمسبحة التقليدية، التي ارتبطت بالمجالس والشعراء وأصحاب السواليف، وأصبحت تختفي شيئاً فشيئاً بعد أن أخذت الجوالات الذكية في استبعادها ولفت أنظار الناس عنها، حتى في المساجد التي أصبح التسبيح متاح بها من خلال برامج خاصة بالعد في تلك الجوالات.
تاريخ المسبحة لمن لا يعرف قيمة المسبحة التقليدية، عليه فقط أن يستعيد ذاكرة عامين أو ثلاثة على الأكثر حينما كان يحضر حفل زواج أو مناسبة اجتماعية، ويعيد إلى ذهنه أشكال المسبحة المختلفة التي تدل كل منها على القدرة المادية والحالة الاجتماعية لمقتنيها.
وكان للمسبحة دوران لا يتوقف في أيدي الشعراء والكدادة والشريطية وغيرهم، وهم أغلب من كان يستخدمها، فتجد الباعة المتجولين يركزون على بيعها في معارض السيارات على الطرق السريعة، ويعتمد دوران المسبحة على الحالة النفسية لمستخدمها، فكلما زاد التوتر والتفكير زاد دوران المسبحة والعكس.
تبدل الحال حالياً تغير الوضع تماماً، وتبدل حال " المسبحين" كما يحلوا للبعض أن يطلق عليهم، وزاد ارتباطهم بالتقنيات الحديثة والجوالات الذكية فلا يكاد يرفع أحد رأسه إلا للضرورة القصوى، فتجد الناس وخاصة الشباب ومن يصغرهم في السن منهمكين في مشاهدة محتوى جوالاتهم التي تختلف من شخص لآخر، وهو الأمر الذي يعيبه عليهم كبار السن وخاصة في المناسبات والمساجد.
في البداية يقول أحد كبار السن أن الجوالات أصبحت آفة للمجالس، فبعضهم معك بجسده وكل قواه الذهنية مركزة مع الجوال.
وتضيف أمّ لشاب أنها أصبحت تخشى على ابنها من العقوق، بسبب الجوال الذي أخذه منها، حيث أصبح الجوال أمه وقريبه ورحمه، الذي يتواصل معه، ويتلمس حاجاته.
تواصل اجتماعي وتابعت، حينما أخاطبه لا يجيب إلا بهمْهمات بسيطة، ويكاد رأسه أن يسقط من على جسده من شدة مشاهدة الجوال .
وأضافت، فيما مضى وقبل الجوال، كان جميع أفراد الأسرة يتبادلون الحديث، في جو هادئ تسوده الألفة والمحبة التي نفتقدها تلك الأيام مع انتشار الجوالات خصوصاً الحديث منها.
من جهته أكد رجل أمن أن انشغال الناس بالجوال لم يعد يقتصر على المجالس فقط، وإنما أصبح سبباً رئيسياً في أغلب الحوادث؛ لانشغال الناس بالجوال عن القيادة، متابعاً، كم من مقطع انتشر لأشخاص تعرضوا لحوادث مرورية أثناء تصويرهم، وهو ما أكده عوض القحطاني الذي يقول: إن قريبه توفي في حادث مروري تعرض له بسبب انشغاله بالجوال.