افتتحت الدكتورة أسماء الرويشد الفعاليات النسائية لملتقى خير أمة، في موسمه الثالث، بمحاضرة تكلمت عن "الصدق" مستعرضة , مفهوم الصدق العام عند الناس، وهو الكلام المطابق للواقع، لتنطلق بعدها في تعريفها المحدد لحقيقة الصدق. وقالت: "الصدق موجودة في مجموعة آيات في كتاب الله عز وجل، وقد استفاض جل وعلا في الحديث عن حقيقة الصدق ومكانة الصدق ومكانة الصادقين، وما يترتب من جزاء للصادقين، حتى وجدت آيات للصدق ومشتقاتها في القرآن 154 مرة، فالصدق حقيقة يشمل الصدق في النية والصدق في القلب والصدق في الفعل، ولذلك قالوا في تعريف :هي موافقة الحق في السر والعلانية والظاهر والباطن، وله عدة تعارف، ولكن هذا من أوسع تعاريفها". وأكدت الدكتورة أسماء أن الصدق يشمل أقوال الإنسان وأفعاله وتعامله وسلوكه، ، ومع الآخرين، أي ينطبق واقعه في سره وعلانيته، لذلك قالوا باطناً في خلوته وظاهراً مع الناس، لذلك وضع بعض أهل العلم أن من مقاييس معرفة صدق الصادق أن يكون سره مطابق لعلانيته.. وأضافت أن هناك تعريفاً آخر، وهو قول بعضهم أنه "كمال الإخلاص للمرسل (أي لله)، وكمال الانقياد للرسول (أي للنبي المصطفى)". وقدمت الدكتورة الرويشد مثالاً حقيقياً لمطابقة الحق في الظاهر والباطن. وقالت هو أنه إذا قيل له "ضع قلبك في كفك وطف به بين الناس" ما تردد، لأن ظاهره استوى مع باطنه، وقلبه مطابق للحق. وهذا يمكن أن يكون تقييماً للذات، مؤكدة أن تقييم الذات واجب يجب القيام به دائماً. مؤشرات الصدق: وقالت الدكتورة الرويشد: هناك مؤشرات لكي يكون الإنسان قد حقق الصدق، ماذا لو قيل لك إنك ستموت الآن، فمن يكون مستعداً لأن يكون. وأضافت أن الصادق لو كان يجوز له أن يتمنى الموت لتمناه، لذلك يقول الله سبحانه وتعالى {فتمنوا الموت إن كنتم صادقين}، وقد قال السلف الصالح: إن الصادق الذي إن تهيأه له أن يموت، لا يستحيي من سره لو كشف, ولكن الحقيقة {ولن يتمنوه أبداً بما قدمت أيدهم}. مؤكدة أن حقيقة الصدق تجعل الإنسان مستعداً للموت دائماً، وأضافت بالقول: "هل أنت في أي حال من الأحوال، في حياتك وتصرفاتك مستعدة أن تلقين الله به، هل ستستحين من الله إن لقيته ، فيجب أن يكون المسلم صادقاً". مراتب الصدق: الصدق في النية، وهي استواء الأعمال مع الإخلاص. وأن يكون مصدقاً لله، ويعمل لله، ويعطي لله، ويرجى ثوابه ويخشى عقابه. وأساس الإيمان أن تستوي أقوال الإنسان مع ما في قلبه، والاختلاف بينهما هو أساس النفاق، أي أن أتكلم بشيء غير الذي في قلبي، لذلك فإن من سياق أوصاف المنافقين أنهم يقولون بألسنتهم ما ليس في قلوبهم. بحيث أن الله كذبهم وهم ينطقون بالحق، وذلك لأنهم يقولون ما ليس في قلوبهم، رغم أن ألسنتهم تقول الحق. وحذرت الدكتورة الرويشد من أن يقول الإنسان عن نفسه ما ليس فيه، كأن يقول أنا كذا وكذا، وأعرف كذا، محذرة من أن يكون منافقاً في قوله بهذه الحالة. واستأنفت الرويشد حديثها عن الصدق بالقول: "الصدق في الأعمال يكون بموافقة الأفعال بالنيات، لذلك قيل إن الصادق ثابت غير متلون، بثبات إيمانه، أي بثبات ما في قلبه من صدق، لأنه في قلبه مصدق، ولابد أن يستقر الإيمان، والأصل في الإيمان أنه ثابت، والذي يتجدد فيه الزيادة". مؤكدة أن المسلم الحق الصادق ليس لديه صفات المنافق، كأن يكون ذو وجهين، وأن يتلون وأن يكون كلامه فيه تناقض. وقالت: إن صفات المسلم الصادق قد جمعها الله في كتابه العزيز في سورة الزمر، قال تعالى {والذي جاء بالصدق وصدّق به}، مشيرة أن المجيء هنا غايته إلى الله، واستمر في الصدق حتى جاء يوم القيامة، وهو الثبات على الإيمان. كيف يتحقق الصدق: تحدثت الدكتورة الرويشد عن كيفية تحقيق الصدق، وقالت: هو أن يكون الصدق مع الله ومع الناس، ومع النفس. وأن يتم معاهدة النفس ورعايتها والعودة إليها دائماً، لأنه أحياناً البعض يكون غير صادق. لذلك فإن الصدق هو اكتساب كل خير ودفع كل بأس، مستشهدة بقوله تبارك وتعالى {إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما في أنفسهم}، مؤكدة أن اكتساب أي خصلة في الخير، والدفع عن الشر في أي صورة أو شي، يمكن أن ترتبط بالصدق وبتنمية الصدق في النفس. وأضافت الدكتورة الرويشد في موضوع خطوات وقالت: من أراد أن يكتسب في نفسه الصدق، عليه أولاً أن يبحث عن الحق الذي نريد أن طبقه في حياتنا ومقاصدنا ونوايانا، وذلك يمكن أن ينطلق من تعلم الحق، وهو العلم الشرعي، كتدبر كتاب الله والذي يعد رأس العلم الشرعي، مشيرة إلى أهمية معرفة أوامر الله وحدوده، وطريقة طاعته والامتثال لأوامره. وأضافت أن من المهم أنك تبحثين عن الحق، كي تتعبيه، لأننا قلنا بأن الصدق هو موافقة الحق، وبحال لم نطبق الحق، فسوف يدخل علينا النقص بسبب بعدنا عن الحق، وقد يدخل الإنسان في أمور سيئة بسبب الجهر، فقد يقع في البدع والنفاق والكفر والمعاصي والشرك بسبب الجهل، وكيف يمكن أن يكون الإنسان صادقاً من دون علم، فالحق هو الذي جاء من الحق. الخطوة الثانية: إلزمي نفسك بمواجهة النفس، كوني صادقة مع نفسك، أي كوني بشفافية مع الحق، وحاولي بكل مصداقية وشفافيه مواجهة نفسك في أمور الحق كلها، العقائد، الأقوال، الأفعال، العلاقات، المعاملات. ومن خلال هذا الأمر يستطيع الإنسان تقييم مدى صدقه. مؤكدة أنه لا يوجد سبب للكذب مع النفس، مشيرة إلى وجود مؤشرات للصدق، وهي أن تكون الواحدة في موقف تحس فيه أنه لن ينجيها إلا الكذب، ولكن لكونها صادقة ومؤمنة فإنها تفضل الصدق ولو كان على نفسها، وهذا الذي يكتب عند الله صديقاً، ولا يكتب الإنسان عند الله صديقاً إلا إن ثبت هذه المواقف فعلاً، قال رسول الله {عليكم بالصدق فإن الصدق يهدي إلى البر، والبر يهدي إلى الجنة} وهذا يؤكد الكلام الذي قلناه في البداية، بأن الصدق أساس كل شيء. فكل الخير قائم على الصدق، فالبر يقوم على الصدق، والبر هو كل خير في الدنيا والآخرة من أعمال صالحة، كالإيمان والصلاة والصيام والصدقة والجهاد والصبر، كلها بر، كما يقول الله تعالى ((ليس البر أن تقيموا وجوهكم قبل المشرق والمغرب ولكن البر من آمن بالله)) الآية ومع ذلك فإن الصدق هو أساس البر، فالصدق يهدي إلى البر، أي أن كل أعمال الخير أصلها الصدق، ويتابع الرسول {ولا يزال الرجل يصدق ويتحرى الصدق حتى يكتب عند الله صديقاً} مشيرة إلى أن المسلم يجب أن يتحرى الصدق حتى في الأماكن التي يخشى فيها من الكذب، وأن يكون صادقاً مع نفسه ومع الآخرين.. وبهذه الحالة فإنه سيكتب عن الله صديقاً.. وبالعكس، تتابع قول رسول الله صلى الله عليه وسلم ((وإياكم والكذب، فإن الكذب يهدي إلى الفجور)) التفريق بين الناس والمعاصي والأفعال الخاطئة، كلها يدعو إليها الكذب، وهو عكس الصدق. ((والفجور يهدي إلى النار، ولا يزال الرجل يكذب ويتحرى الكذب حتى يكتب عند الله كذاباً)). وكيف يتحرى الكذب، بأن يستخدم الكذب حتى في الأماكن التي لا يحتاج للكذب، ويضع كلمات الكذب من غري داع لذلك، فلا يكون محرجاً ولا خائفاً من الكذب، فيكون لديه خيار لقول الصدق، ولكنه يختار الكذب. مشيرة إلى الفرق الواسع بين الجنة والنار وأن الذي يحددها في الأصل هو الصدق والكذب، مشددة على أن يكون الإنسان صادقاً عندما يستوى سره وعلانيته من كلام.