قد لا يعرف الكثيرون أن الأمير بندر بن سلطان، رئيس الاستخبارات العامة، قد تنبأ قبل نحو 8 أعوام بمستقبل "مرعب" ينتظر الرئيس السوري بشار الأسد، وأنه بذل معه جهوداً كبيرة بعد أن تسلم رئاسة سوريا في العام 2000، كي يبين له الأخطاء السياسية التي يرتكبها نظامه وتتجه به نحو الهاوية. ففي لقاء جمع الأمير بندر بن سلطان بعدد من الصحفيين السعوديين في مدينة جدة، بعد فترة قصيرة من تعيينه أميناً عاماً لمجلس الأمن الوطني بالعام 2005، قال سموه إن بشار الأسد لا يستطيع أن يرى الخطوط الحمراء في السياسة، ولا يعرف كيف يتوقف قبلها، وأنه يتجه ببلاده وبنفسه نحو مستقبل مرعب، مضيفاً أنه حاول أن يحذره من خطورة سياساته وتحالفاته، غير أنه لم يتمكن من إقناعه.
وبعد أعوام طويلة، تحققت توقعات رئيس الاستخبارات العامة حول مستقبل الأسد الذي قتلت قواته منذ بداية الثورة في مارس 2011 نحو 100 ألف نسمة، غير أن الأمير بندر لم يكن يتوقع أنه سيلعب دوراً كبيراً في مستقبل سوريا، ولم يعلم حينها أنه سيجد نفسه أمام مهمة كبيرة لإنقاذ شعب كامل من الإبادة، وسيدخل في مواجهة سياسية ودبلوماسية في كل القارات مع نفس ذلك الشخص الذي حاول تحذيره وإنقاذ مستقبله السياسي قبل 13 عاماً. ووجد الأمير بندر بن سلطان، الذي وصفته وسائل إعلام غربية بأنه "رجل يحب أن يتم أي عمل يبدؤه"، أن أولى مهامه بعد تسلمه رئاسة الاستخبارات العامة في يوليو 2012، هي التعامل مع الملف السوري الشائك، بكل ما فيه من تفاصيل وعقبات وتحديات، أبرزها الدور الإيراني في القضية، ومطامعها التوسعية وتدخلاتها المتواصلة في شؤون الدول العربية.
"الثنائي السعودي" يتغلب على بوتين سجل الأمير بندر بن سلطان نجاحاً كبيراً الأسبوع الماضي في مهمته لإنقاذ الشعب السوري من المجازر على يد نظام الأسد، حين أثمرت الجهود التي بذلها مع وزير الخارجية الأمير سعود الفيصل في إقناع الغرب بتسليح الثوار السوريين، فقد ذكرت تقارير صحفية غربية أن الزيارة التي قام بها "الثنائي" لفرنسا لم تكن الوحيدة لهما، بل شملت جولتهما بلدان أخرى منها بريطانيا، فيما ألمحت تقارير أخرى إلى أن السعودية وجهت لحلفائها الغربيين وبينهم الولاياتالمتحدة، رسائل شديدة اللهجة، ووبختهم على ترددهم في تسليح الثوار، ما أدى لتغيير كبير في مواقفهم، وإعلان إدارة أوباما أنها ستدعمهم عسكرياً، رغم المعارضة الروسية الكبيرة ومحاولاتها لإقناع الغرب بعدم الإقدام على هذه الخطوة. وكانت "المعركة" الدبلوماسية التي خاضها الفيصل وبندر بن سلطان في أوروبا قد تزامنت مع حملة روسية كبيرة قادها الرئيس الروسي فلاديمير بوتين لحماية نظام الأسد من أي تدخل غربي ووقف أي قرار لتسليح المعارضة، غير أن "الثنائي السعودي" تمكن من هزيمة بوتين وإتمام المهمة على أكمل وجه.
عدو إيران الأول ورغم أن الأمير بندر بن سلطان قد سجل انتصاراً كبيراً الأسبوع الماضي على نظام الأسد وحليفته إيران، عندما أقنع الغرب بتسليح المعارضة السورية، الا أن المعركة ما زالت طويلة، وعلى وجه الخصوص مع إيران التي تعتبره "عدوها" الأول، بعد أن تمكن خلال فترة عمله كسفير لبلاده في الولاياتالمتحدة، وامتدت لنحو 22 عاماً، من تكوين علاقة وثيقة مع 4 رؤساء هم ريغان وبوش الأب وكلينتون وبوش الابن، إضافة إلى أنه مهد الطريق لبلاده للحصول على صفقات سلاح ضخمة اسست جيشاً سعودياً قوياً، وهو أمر أزعج إيران التي ترى أن وجود مثل هذه القوة العسكرية لدى السعودية سيحد كثيراً من أطماعها التوسعية. كما أن حضور الأمير بندر بن سلطان القوي في واشنطن خلال فترة عمله كسفير، وقدرته على إيصال رأي السعودية لكل الرؤساء، والتأثير على قراراتهم المتعلقة بالشرق الأوسط بما يخدم العرب والمسلمين، كان سبباً آخر لانزعاج إيران، حيث ألحق بها هزائم دبلوماسية متلاحقة على مدى عقدين. يقول المحلل في صحيفة "ذا ويكلي ستاندر"، اليوت ابرامز، أن الأمير بندر: "كان دبلوماسياً صاحب حضور قوي في واشنطن بين العامين 1983 و2005، فقد بنى شبكة اتصالات واسعة مع السياسيين، ونجح في إيصال وجهة نظر بلاده في جميع القضايا للرؤساء الذين عمل معهم"، مضيفاً: "كان يتعامل بشكل مباشر مع المسؤولين الكبار جداً في الإدارة الأمريكية بمن فيهم الرئيس، لقد كان رجل المهمات الصعبة".
الشائعات "الرخيصة" تطارده عجز تحالف "الأسد – طهران" في مجاراة الأمير بندر بن سلطان دبلوماسياً وسياسياً أو إفشال أي مهمة يقوم بها، فلجأ منذ أعوام إلى إطلاق شائعات متتالية، مستغلاً حب الأمير بندر للعمل بصمت بعيداً عن الأضواء خاصة بعد عودته للمملكة في العام 2005، ومن أبرز تلك الشائعات أن النظام السوري تمكن من اغتياله. ففي يوليو 2012 قالت وسائل إعلام إيرانية إن نظام الأسد اغتال الأمير بندر في تفجير محكم، رداً على دوره في دعم الثوار السوريين، ووقوفه وراء تفجير وقع في دمشق وقتل فيه مسؤولون في نظام الأسد. وكعادة السياسيين السعوديين في تجاهل ذلك النوع من الإشاعات، لم يصدر أي تعليق أو نفي، ما ساعد في انتشار الخبر بشكل كبير حتى وصل للإعلام الغربي، غير أن المفاجأة التي لم يكونوا يتوقعونها، هي ظهوره تلفزيونياً في وقت لاحق، وعلى وجهه ابتسامه يعرفون معناها جيداً.