في موقف يرد أساساً على المكاسب الميدانية التي حققها النظام السوري أخيراً بمساعدة مباشرة من «حزب الله» وايران وعبر العراق، اتخذ الرئيس الأميركي باراك أوباما قراراً بتسليح المعارضة السورية، وأكد البيت الأبيض بعد فرنسا وبريطانيا استخدام نظام دمشق السلاح الكيماوي ضد المعارضة. وقالت مصادر اميركية مطلعة ان القرار سيمهد لوصول «ذخائر وأسلحة صغيرة» الى الثوار خلال أسابيع. وبعد عام من التردد والانتظار، حسم أوباما موقفه ليل الخميس - الجمعة، وأعلن المستشار الرئاسي بن رودس عزم واشنطن على «تقديم مساعدات عسكرية للمعارضة» وأنها «ستكون مختلفة في الوزن والعيار عن السابق»، وعزا القرار الى تخطي النظام السوري «الخط الأحمر» مؤكداً أن واشنطن حصلت على «أدلة قاطعة وثابتة» على استخدامه السلاح الكيماوي ضد الثوار. وأضاف رودس انه «بعد بحث معمق، تعتبر مجموعة (وكالات) الاستخبارات (الاميركية) ان نظام الأسد استخدم اسلحة كيماوية بينها غاز السارين على نطاق محدود ضد المعارضة ومرات عدة في العام المنصرم». وتابع ان «وكالات استخباراتنا لديها ثقة كبيرة بهذا التقييم، بالنظر الى مصادر المعلومات المتعددة والمستقلة» في هذا الصدد. ووفق البيان فإن وكالات الاستخبارات «تعتبر ان ما بين 100 الى 150 شخصاً قضوا جراء هجمات بأسلحة كيماوية في سورية تم رصدها حتى الآن. وبناء عليه، فإن المعلومات حول الضحايا هي غير كاملة بالتأكيد». وأردف انه «رغم ان عدد الضحايا في هذه الهجمات لا يمثل سوى نسبة صغيرة من الخسائر الكارثية في الارواح البشرية في سورية والتي تتجاوز تسعين الف قتيل، فإن اللجوء الى الأسلحة الكيماوية ينتهك القواعد الدولية ويتجاوز بوضوح خطوطاً حمراً موجودة وضعها المجتمع الدولي منذ عقود». وتابع: «نعتقد ان نظام الاسد لا يزال يسيطر على هذه الاسلحة. لا نملك معلومات قوية وموثقة مفادها أن المعارضة في سورية حصلت على اسلحة كيماوية او استخدمتها». ولاحقاً، في مؤتمر صحافي عبر الهاتف، قال رودس للصحافيين ان واشنطن ابلغت موسكو بما لديها من معلومات عن استخدام النظام السوري للسلاح الكيماوي، ولكن روسيا لا تزال على موقفها الرافض لتنحي الاسد. ولم يوضح المسؤول الاميركي ما اذا كانت الادارة ستختار الذهاب باتجاه تسليح المعارضة السورية مباشرة، ولكنه قال ان الرئيس اوباما «سيتشاور في هذه الامور مع الكونغرس في خلال الاسابيع المقبلة». وأضاف ان «الولاياتالمتحدة والمجتمع الدولي لديهما عدد من الردود القضائية والمالية والديبلوماسية والعسكرية الاخرى المتاحة». وتابع: «نحن مستعدون لكل الاحتمالات وسوف نتخذ قراراتنا وفقاً للجدول الزمني الخاص بنا». وأكد ان الخطوات التي ستقدم عليها الادارة الاميركية للتعامل مع هذا التطور سيتم درسها «بعناية بالغة». غير أن صحيفة «نيويورك تايمز» نقلت على لسان مسؤولين أميركيين أن التسليح جاء اضافة الى استخدام الأسد غاز السارين، كرد على مكاسب النظام في الفترة الأخيرة ودخول كل من «حزب الله» وايران بقوة على خط المعركة. وأشارت الصحيفة الى دور رئيس الوزراء العراقي نوري المالكي في مساعدة النظام السوري، والسماح بعبور طائرات ايرانية تحمل مساعدات للنظام عبر الأجواء العراقية في أيار (مايو) الفائت، على رغم حصر حركتها في آذار (مارس) الماضي بعد طلب من وزير الخارجية جون كيري. وأكد مسؤولون اميركيون ان المساعدات سيتم تنسيقها «طبقاً لحاجات الثوار» وقد تضم «أسلحة مضادة للدبابات» غير أنها «لن تشمل أسلحة مضادة للطائرات» بسبب المخاوف من وقوعها في أيدي متطرفين واستخدامها ضد طائرات مدنية. وذكرت صحيفة «وول ستريت جورنال» أن واشنطن تدرس بجدية خيار فرض حظر جوي بناء على أدلة استخدام السلاح الكيماوي. وسيشرف على توزيع السلاح وكالة الاستخبارات المركزية (سي أي أي) التي بذلت جهداً مضاعفاً في الفترة الأخيرة في تحديد المجموعات المعارضة التي يمكن التواصل والتنسيق معها. وضرب القرار الذي جاء قبل ايام من لقاء أوباما بنظيره الروسي فلاديمير بوتين على هامش قمة مجموعة الثماني في إرلندا، بالتحضيرات لمؤتمر جنيف الثاني عرض الحائط. وأكد مصدر ديبلوماسي غربي ل «الحياة» أن «مؤتمر جنيف لن ينعقد من دون قلب التوازن على الأرض». وكانت وزارة الخارجية الأميركية دفعت في اتجاه اتخاذ قرار بتسليح المعارضة منذ وقت بعيد. وكان ادراج «جبهة النصرة» على لائحة الارهاب في كانون الأول (ديسمبر) الفائت جزءاً من هذه العملية الهادفة الى «غربلة» المعارضة. غير أن تريث أوباما وتركيز مستشاره السابق توم دونيلون على المسار الروسي أخر العملية. واستقال دونيلون الأسبوع الفائت واستبدل بسوزان رايس. ولاقى قرار اوباما ترحيباً في أوساط الكونغرس ومن نواب من الحزبين، ورحب السناتوران الجمهوريان النافذان جون ماكين وليندسي غراهام في بيان مشترك بالخطوة التي اقدمت عليها ادارة اوباما، لكنهما طالباها بأخذ «خطوات حاسمة اكثر» لإنهاء دوامة العنف الدموي في سورية. وكان ماكين أعلن في الكونغرس في وقت سابق ان مقاتلي المعارضة السورية سيتلقون قريباً اسلحة اميركية، مستنداً الى «العديد من المصادر الموثوق بها»، لكنه سرعان ما تراجع عن هذه التصريحات. وقال النائب الجمهوري مايك روجرز رئيس لجنة الاستخبارات في مجلس النواب انه «يتعين على الولاياتالمتحدة ان تساعد الاتراك وشركاءنا في الجامعة العربية على اقامة مناطق آمنة في سورية حيث يمكن للولايات المتحدة وحلفائنا ان يدربوا ويسلحوا ويجهزوا قوات يتم اختيارها من المعارضة». وتابع ان هذا سيمنح واشنطن «الصدقية اللازمة للجلوس الى الطاولة في مرحلة الانتقال الى سورية ما بعد الاسد». وأبدى الرجل الثاني في مجلس النواب الجمهوري اريك كانتور مزيداً من الانتقاد، مؤكداً انه على رغم «خطاب» اوباما حول الخطوط الحمر ازداد النزاع السوري تفاقماً. وأضاف: «بدأ يتضح ان الرئيس لا يملك خطة متماسكة لادارة هذه الكارثة الاستراتيجية المتفاقمة».