توفي، قبل سنوات، عميد الأغنية السعودية، وأستاذ الطرب السعودي الأصيل، وحافظ إرث الأغنية في الجزيرة العربية الأستاذ طارق عبد الحكيم عن عمر يناهز 95 عاما، عاشها عاشقا للفن السعودي والحجازي العربي الشرقي الأصيل، وطوال عمره كان «العميد» مجتهدا لإبراز حقيقة مفادها أن ابن الجزيرة العربية وابن الصحراء من الممكن أن يكون فنانا عربيا أصيلا يحترم فنه وإبداعه وموسيقاه كل العرب. عبدالحكيم كان رائدا حقيقيا للطرب في السعودية، ومؤسسا للطريقة الحديثة للتلحين والغناء في المملكة، ومن قبله كانت الأغنية في الجزيرة العربية مجرد اجتهادات وأصداء متفرقة وألوان بدائية ومحاكاة للغناء في مصر والشام، واستمر هذا الأمر حتى ظهر عبدالحكيم الذي أحدث نقله نوعية في التلحين والغناء واختيار الكلمات الأصيلة التي تعبر عن البيئة والمجتمع، وقد حقق شهرة كبيرة، وعاش حياته بين مد وجزر، نجح في أحيان وتخطى المصاعب والأشواك التي زرعت له كفنان في أرض لا يقدر كثير من أبنائها الفن، وفشل في أحيان أخرى فسافر إلى لبنان في المرة الأولى، وفي المرة الثانية سافر إلى مصر ولم يعد منها سوى إلى القبر «جثة هامدة» رحمه الله. طارق عبدالحكيم الذي قدم الكثير لفنه وقدم الكثير لبلاده ولوطنه، وقدم عشرات الأصوات التي تجلت في سماء الطرب السعودي، ومنح الفرصة لعشرات الشعراء والكتاب للبروز في فضاء الغناء السعودي، وقدم مئات الأغنيات التي حفرت لها أماكن في وجدان الإنسان السعودي، وحفظ تراث الفن السعودي عبر متحف شخصي لم يجد دعما يذكر من أحد لا في توفير معيشة كريمة تليق بفنان خدم التراث في بلاده ولا في إنشاء متحفه الذي وضع فيه كل ما يملك من حفنة ذكريات. ومن المؤسف أنه بعد كل الحياة الإبداعية التي عاشها يموت عبدالحكيم المطرب والفنان والمبدع السعودي البارع فقيرا مغتربا وحزينا معدما في بلاد ليست تلك البلاد التي صدحت حنجرته من أجلها لتتغزل بها، وعزف عوده متغنيا بها. وفي ذهني أسئلة: لماذا نحن مجتمع لا يقدر مبدعيه؟ هل لأن الإبداع والتميز والجمال في غناء الكلمة وتأليف اللحن أمر محرم، أم أن الفن غير مهم أصلا؟ ولماذا لا ننشئ صندوق دعم للمثقفين والمبدعين يعينهم عندما يتقدم بهم الزمن؟ تركت الإجابة عن الأسئلة التي تحيرني وترحمت على الرجل الفنان، متذكرا تلك الكلمات التي غناها: أبكي على ما جرى لي يا هلي.. قلبي أنا بالمحبة مبتلي. وتذكرت: يا ريم وادي ثقيف.. لطيف جسمك لطيف.. ما شفت انا لك وصيف.. في الناس شكلك ظريف. وتذكرت كلمات الشاعر المكي الكبير إبراهيم خفاجي التي لحنها عبدالحكيم لمحمد عبده وأصبحت من كلاسيكيات الأغنية السعودية: (لنا الله يا خالي من الشوق.. من الشوق.. وأنا مولع على ناري..ك يف بعد المودة والمحبة صرتوا تنسوني.. لنا الله). بالفعل يبدو أن الفنانين والمبدعين السعوديين كثير منهم لسان حالهم يردد: لنا الله...لنا الله. [email protected]