من أصعب الليالي التي مرت علي في حياتي، كانت ليلة الثلاثاء، وبدت لي ليلة عصيبة، ومنذ هربت شمس صباح الثلاثاء، وقال والدي جهزوا أغراضكم، وودعوا جيرانكم، واستعدوا للرحيل، بدأ الخوف ينتابني، فركنت لحظات مع نفسي أغوص في أيامي وليالي مع صديقة الطفولة، عندما دخل الليل بلا استئذان، فطالعت في المرآة حدة عيوني فذكرتني بطفولتي مع صديقتي العتيدة، وتذكرت اكلاتي معها في الولائم، والوكيرة، والخرس، والاعزار، كنت وهي نكثر من شرب القهوة، وأكل الصريف، في ساحة المفتاحة أو في حديقة ابو الخيال وبين أشجار جبل ذرة او الجبل الأخضر في ابها الساحرة نتجول لنرى ابها البهية ببشاشة أناسها الطيبين. ولظروف عائلية، ودعت صديقة الطفولة، واضطررنا للانتقال إلى مدينة أخرى، في مملكتنا الحبيبة، حيث شددنا الرحال إلى مكةالمكرمة، حزنت كثيرا، وجاء موعد رحيلنا، فأرخى الحزن على مقلتي، فودعت كل جميل خلفي، ودعت أبها العروس، وجوها العليل، وودعت مدرستي العتيدة، وكنت قد حفرت على جدرانها ملامح من شقاوتي، وودعت كل صديقاتي وأحبتي، ولم تكن تفرقنا يوما إلا الإجازات. وصلنا مكةالمكرمة بلد الله الحرام، وحضر الماضي لخاطري، فعدت أتذكرها صغيرة، عندما كان يصطحبنا الوالد كل عام في رمضان لأداء فريضة العمرة، كنا نفرح عندما نرى الزحام، حتى ضاعت اختى في الحرم، فتملكنا الخوف عليها، وبكينا كثيرا بحثا عنها،حتى وجدناها، فأصبحت الذكريات مؤلمة او غير مريحة عن مكةالمكرمة. اصطحبتني والدتي وسجلنا في المدرسة الثانية والستون المتوسطة، وكنت كلوح الثلج باردة ارتجف خائفة، وجوه جديدة، مديرة جديدة، ومدرسات لا اعرفهن، وفي اليوم التالي كان الزميلات يعرفن بعضهن البعض، منهن من يتكلمن مع بعض وأخريات يضحكن مع بعض، وسواهن يتهامسن ويتجاذبن إطراف الحديث، إلا أنا وحدي، ففتحت لذاكرتي نافذة على صديقاتي في أبها، فليس لدي معارف هنا، أحسست بالرعب ولكن لفترة ليست بطويلة، كنت وقتها اسمع بعيني وأرى بأذني، عندما تأتي صورهن في خيالي، كنت اجلس لوحدي طوال الوقت في المدرسة، وأعود مكتئبة إلى بيتي، وكم كنت ارتاح عندما كنت اهاتف صديقاتي في ابها، كنت افتقدهن واشتاق لهن كثيرا، كنت اشبه اشتياقي لهن باشتياق العطشان للماء في الصحراء، وقتها كنت احتاج أن اغسل كل ذنوبي، وأدعو ربي كثيرا، أن يغير الحال وفعلا وهبني صديقة جديدة، فبعد الأسبوع الثاني ذبحت احزاني، وتركت الوحدة خلفي، وبنيت صداقات جديدة، وأصبحت والحمد لله أحب صديقاتي في المدرسة الجديدة، وأتبادل معهن مشاعر المحبة. وانتهت المرحلة المتوسطة، وانتقلت إلى مرحلة أخرى، ومدرسة أخرى (الثانوية التاسعة والأربعون)، أحببت مكةالمكرمة، وأحببت أهلها، وأحببت مدرساتي، وزميلاتي، وصديقاتي الجدد، وأصبحنا نتبادل أطراف الحديث، فأحكي لهن عن أبها وجمالها، وعن جيراننا وأحبابنا، وعذب الحياة فيها ويحكون لي عن مكةالمكرمة قديما وشعابها وأريعاها، وحلاوة الماضي الذي لن يعود. جمعة الخياط (مكةالمكرمة)