لا يمكن بأي حال من الأحوال انتزاع ضحكات المشاهد وإثارة إعجابه بافتعال الظرافة وتصنعها بالانتقاص من الآخرين كما فعل «اليوتيوبر» بدر صالح في بعض برامجه، فالأدوات التي لا تقوم على موهبة حقيقية ستبقى مجرد تسخيف لمضمون يفترض أن يكون جيداً، ويراعي الشريحة التي يخاطبها بمعلومات صحيحة ومضمون مفيد ودون أن ينتقص من مهنية أحد أو مهنته، إذ ليس صحيحاً أن يخول عدد المشتركين في قناة يوتيوب أي شخص كان لتقديم محتوى هزيل وسطحي يقلل فيه من جهد الآخر ومكانته، كما لا يعني ذلك الرقم بالضرورة دلالة على موهبة ذات قبول لدى عامة الناس، وإلا لم يتصدر المشهد بين حين وآخر أسماء ما تلبث أن تفشل وتختفي بعد خروجها من دائرتها الضيقة، نتيجة وعي الناس بمضمون محتوى ما تقدم ونضوج متابعيها. ويفترض على من يملك عدد متابعين كبيرا الوعي بمسؤولية ما يقدم بعيدا عن التهريج الذي لا يثري عقول الأطفال الذين يشكلون النسبة الأكبر من مشاهدي هذه القنوات غالباً، بما يفيد وينعكس على واقعهم لا بتضليلهم بمعلومات ساخرة من حقائق ثابتة وصحيحة، فكيف بذلك على قناة فضائية جماهيرية بحجم MBC، فشل مقدم اليوتيوب في استثمار احترافيتها على نحو يقدم عملاً جيداً يضيف للمشاهد الكثير من الإيجابية ولو بأسلوب كوميدي. المتابع للبرنامج يدرك جيداً أن مقدمه ألف الوقوع في دائرة الحرج أمام ضيوفه ومشاهديه، ومن ذلك أخيراً حين انبرى من قبيل التهكم على مهنة الخبازين ورئيس لجنة المخابز، وكيف ل«عكاظ» أن تنشر خبراً عن «الصامولي» الذي يبدو أن صالح يجهل أنه نوع من أنواع السلع الغذائية التي ترتبط ذروة بيعها بمواسم معينة شأنها شأن بقية السلع، بل إنه ذهب ساخراً ومتهكما على مهنية «عكاظ» حين استقت خبرها - الذي لفت نظره وجعله موضوعا في برنامجه- من مصدر رسمي هو الأكثر علماً بهذه الإحصائيات، بل وساق عبارات الدهشة من هذه المهنة الرسمية الموجودة على اختلاف مسمياتها في غالبية الدول العربية، مسترجياً ضحكات الجمهور التي عادة ما تحضر في برامج «التوك شو» بهدف إضفاء نوع من الظرافة على بعض العبارات خاصة إن لم تكن ظريفة حقاً. وما لا يعلمه بدر صالح عن مهنتي رئيس لجنة المخابز أو شيخ طائفة الخبازين التي جعلها محل تندر في برنامجه، يوضحها له رئيس اللجنة في الغرفة التجارية الصناعية في محافظة جدة فايز صالح حمادة، الذي قال: مهنة الخبازين نشأت في مكةالمكرمةوجدة عام 1375ه، وكان يتزعمها شيخ طائفة الخبازين في مكةالمكرمة عبدالله كعكي «رحمه الله» من عام 1380ه، واليوم هناك لجان المخابز في الغرف التجارية ويعود عمرها إلى 12 سنة، فأصحاب الأفران جنود مجندون يعملون في المهنة على مدار 356 يوم عمل بدون إجازة، مشيدا بما طرأ على المخابز من تطورات حديثة ودخول مستثمرين في القطاع بمئات الملايين، وعدد المخابز على مستوى المملكة يبلغ خمسة آلاف مخبز ويقدر حجم الاستثمارات في القطاع فوق 500 مليون لمصانع المخابز وفق المواصفات والاشتراطات الصحية، وقال «لولا فضل الله ثم الخبازون لكان بدر صالح مات من الجوع». أما شيخ طائفة الخبازين الحالي يوسف شكري فاستغرب تهكم صالح على وجود لجنة خبازين وعلى تسليط الضوء على الخبازين قائلاً «ألا يأكل بدر صالح في بيته العيش». وإن كان صالح قد ذهب لممارسة حريته في الإعلام بكلام فارغ وبانتقاء ما يشاء من مواضيع رغم سطحيتها من وجهة نظر البعض وبثها سواء عبر برنامجه اليوتيوبي أو التلفزيوني، فكيف له أن يصادر على الآخرين تقديم محتوى معلوماتي مفيد ويلامس بساطة الناس وحياتهم، فإن تفرد مساحات لإحصائيات حقيقية وبمعلومات مستقاة من مصدرها أكثر نفعا من التعدي على حقوق الآخرين باجتزاز مقاطعهم والتهكم عليهم دون مراعاة لحقوق ملكيتهم الفكرية.