آخر شيء ينتظره المشاهد العربي من الرئيس السوري أن يكون ظريفاً. أحاديثه الإعلامية، التي يبتغي منها خفة الدم، تخرج ثقيلة وباهتة. لا يمكن أن تحول ثقيل الدم إلى كائن ظريف، وللرئيس السوري أن يكتسب من العقيد الليبي معمر القذافي خبرات القتل والاعتقال وإلحاق أقصى الأذى بالشعب، ولكن أن يكون ظريفاً في المقابلات التلفزيونية والخطب، فذلك فعل غير يسير؛ لأنه شيء رباني، وهبه رب العباد للعقيد، ولم تصنعه التمرينات. لا تخلو مقابلة تلفزيونية واحدة، ولا خطاب إلى الأمة يطلقه الرئيس السوري، من دون سعي إلى إضفاء الظرافة والسخرية من الآخرين ومن الأحداث، ولكنها تنتهي إلى الفشل. والرئيس السوري يكرر تصريحات دكتاتوريي العالم على مدار التاريخ، ففي مثل هذا اليوم قبل 80 عاماً قال الزعيم النازي أدولف هتلر في حديث إلى صحيفة أميركية إنه ديموقراطي ومتمسك بالديموقراطية، وقد سجل التاريخ ديموقراطية هتلر، ذاتها التي يطبقها الرئيس السوري اليوم على أبناء شعبه. الجمهور لا يتذكر تعليقاً ساخراً واحداً من الرئيس السوري، ولكنه يحفظ له الكثير من الضحكات، التي يطلقها، هو نفسه، على تعليقاته الساخرة. لكن الرئيس السوري متذوق للنكتة ولسخرية القول، والجمهور يتذكره جيداً عندما أطلق ضحكة كبيرة على تعليق العقيد الليبي خلال القمة العربية في دمشق، الذي حذر القادة العرب من نهاية مشابهة للرئيس العراقي صدام حسين بالإعدام شنقاً. التاريخ مفيد للعبر، ونحن اليوم في الثالث عشر من شهر ديسمبر، نتصادف ومرور 8 سنوات على إخراج الرئيس العراقي صدام حسين من حفرة حقيرة، بعد أن تخلت عنه آلته العسكرية وفر فدائيوه. بل تحول إلى سلعة باعها خائن وثق به. هاجم العقيد الليبي القادة العرب، الذين لم يأبهوا بنهاية صدام حسين مشنوقاً، وحذرهم من نيل المصير، ليسبقهم إليه في مجرى للصرف الصحي. هذه المشاهد عالقة عند الجمهور العربي، الذي استوعبها جيداً مع القذافي. الذكرى مناسبة للتأمل في حال آخر أشرس العتاة الاستعلائيين، الرئيس السوري، الذي لجأ إلى سلوك معلمه في الدكتاتورية معمر القذافي، فسلك دربه الدموي والإعلامي، ولكنه افتقد إلى الظرافة، فالقتل فعل، يمكن للكثير القيام به، لكن الظرافة موهبة لا تتحقق لأي أحد.