ضجت مواقع التواصل الإلكتروني بتداول حكاية عاملة منزلية استطاعت أن تحصل على درجة الدكتوراه من إحدى جامعات بلدها، وذلك بعد أن عملت في السعودية بضع سنوات جمعت خلالها مبلغا من المال يكفي لأن تعود إلى بلدها وتواصل دراستها التي اضطرت إلى قطعها لضيق ذات اليد. جمهور المواقع الإلكترونية مأخوذ بما فعلته هذه المرأة، يرى في عملها قصة كفاح وجهد وصبر وقوة عزيمة تستحق بسببها الإعجاب والتقدير، وهذا صحيح، فالمرأة طموح وذكية، لم تحبطها المعوقات فرسمت لنفسها خطة للتغلب على مشكلاتها الاقتصادية وبلوغ ما رسمته لنفسها من أهداف. لكن كفاح هذه العاملة، من وجهة نظري، ليس حالة خاصة بها، فمعظم العاملات المنزليات لهن قصص كفاح تستحق الإعجاب والتقدير، إلا أن الفرق هو أن هذه المرأة كان كفاحها موجها نحو تحقيق النفع لذاتها، أما غيرها من العاملات فإن كفاحهن موجه نحو تحقيق النفع لغيرهن. فهذه المرأة احتفظت بمرتباتها وجمعتها لتنفقها على تغطية مصاريف دراستها بما يمكنها من الحصول على أعلى درجة علمية تمنحها الجامعات لطلابها. أما غيرها من العاملات فإن مرتباتهن يصرفنها كل شهر للإنفاق على أبنائهن أو إخوانهن أو غيرهم من الأقارب الحميمين ممن لزمتهن إعالتهم، هن يعملن من أجل توفير التعليم والعلاج وعيش الكفاية لأولئك الأقارب، فكفاحهن موجه للارتقاء بغيرهن وليس للارتقاء بأنفسهن، أقاربهن هم الذين يحصدون ثمرة كفاحهن، أما هن فيبقين حبيسات المكانة الاجتماعية التي يعشن فيها، ولذلك لم يشعر بكفاحهن جمهور تلك المواقع، ولم ير في تضحيتهن وجلدهن على قسوة الاغتراب ومشقة العمل المرهق ما يستحق التقدير! إن أولئك النساء اللاتي يرسلن أجورهن كل شهر لمن يعلنه من الأقارب، ويتركن جيوبهن فارغة من المال، فيقدمن رقي الأبناء والإخوان أو غيرهم على رقيهن، هن نموذج إنساني عالي القيمة في العطاء ونكران الذات، وكان حقهن أن ينلن من الجمهور ولو قدرا بسيطا من الإعجاب والتقدير الذي نالته تلك الدكتورة. [email protected]