لا أظنه أمرا يثير الدهشة أو الاستغراب، أن يغرد بعض الدعاة وأتباعهم بوصف النساء المطالبات بإلغاء ولاية الرجل على المرأة بالفاجرات، فهذا قدر المصلحين عبر التاريخ، أن يكونوا عرضة للقذف والرجم وإلصاق التهم. ولن يفت في عضد النساء المصلحات أو يوهن عزمهن مثل هذا القذف البعيد عن كرم الأخلاق. أن تطالب المرأة بإلغاء ولاية الرجل عليها، هي لا تطالب بإلغاء نص شرعي قطعي الدلالة بالقرآن أو السنة، فالنصوص الشرعية لا يرد فيها ذكر لولاية الرجل على المرأة، باستثناء عقد النكاح، وحتى في هذا، لم يجمع الأئمة الأربعة على ذلك فقال به المالكي والشافعي والحنبلي وشذ عنهم الإمام أبو حنيفة الذي لم ير الولاية على المرأة ملزمة في عقد النكاح. فالنساء اللاتي يطالبن بإلغاء ولاية الرجل عليهن، هن يطالبن بإلغاء نظام مدني فرض عليهن دون أن يكون له مستند شرعي ثابت في القرآن أو السنة، وفي الوقت نفسه هو نظام فيه تضييق وتعطيل لمصالحهن وتقييد لحركتهن، فهو يشلهن تماما فلا يمكن للمرأة أن تستخرج جواز سفر أو تلتحق بعمل أو تنضم إلى مؤسسة علمية، أو غير ذلك من شؤون الحياة العادية، إلا بعد إحضار موافقة خطية من ولي أمرها، وفي الحالات العادية قد يكون ذلك أمرا محتملا، لكنه في الحالات الأخرى التي يكون فيها وضع الأسرة غير طبيعي كأن يكون الولي مريضا نفسيا أو مسجونا أو مدمنا للمخدرات أو كثير السفر أو منوما في المستشفى أو بينه وبين موليته خصومة، فإنه يتحول الأمر إلى قيد يعطل مصالح المرأة ويضيع عليها فرصا كثيرة. وحين تطالب النساء بإلغاء ولاية الرجل عليهن، هن لا يأتين بشيء جديد، كل ما هنالك أنهن يطلبن أن تعامل المرأة كما أمر الله ورسوله، فالله سبحانه أمر الرسول بأخذ البيعة من النساء دون تقييد بموافقة ولي الأمر، فقال له: {يا أيها النبي إذا جاءك المؤمنات يبايعنك (...) فبايعهن واستغفر لهن الله}. وحين دخل النبي عليه الصلاة والسلام، المدينة أرسل عمر بن الخطاب إلى النساء ليأخذ البيعة منهن، ولم يوصه أن يأخذ أولا موافقة أولياء أمورهن، وحين استجار أبو العاص بن الربيع بزينب بنت محمد بعد أن فرق الرسول بينها وبينه، وقفت في المسجد عند صلاة الفجر، وصاحت في الناس (إني قد أجرت العاص بن الربيع)، فيقرها صلى الله عليه وسلم على ما فعلت ولم يلمها أنها لم تأخذ موافقته. هذا يعني أن أولئك المتحذلقين الذين يعارضون إسقاط ولاية الرجل عن المرأة، هم لا يفعلون ذلك بدافع ديني، وإنما هو حب التسلط والرغبة في الهيمنة دون أي وجه حق. [email protected]