مشكلة تحرش الرجال بالنساء، مشكلة مقلقة ومزعجة للنساء، فهي تهدد أمن المرأة وتهين كرامتها، إلا أن الناس غالبا لا يدينون الرجل المتحرش قدر ما يدينون المرأة نفسها، فيتهمونها أنها هي التي استدرجت الرجل بعدم احتشامها، أو لوجودها دون محرم يرافقها. أغلب الخطاب الثقافي الموجه لاستنكار التحرش، يتضمن لوم النساء على خروجهن متبرجات، وفي بعض الأحيان حين يقبض على المتحرش يقبض أيضا على المرأة التي تحرش بها، بحجة الإغواء والاستدراج. تكرار الربط بين التحرش وعدم احتشام المرأة أو وجودها منفردة بلا محرم، صار عاملا يشجع المتحرشين على الاستمرار في سلوكهم المنحرف، في الأسواق والطرقات وغيرها من الأماكن التي يرتادها الجنسان، وبلغ بهم الأمر أن صار بعضهم لا يخجل من فعله المشين، فتراه متى قبض عليه متلبسا بالجرم، يتنصل من الذنب بوقاحة بالغة مدعيا أن زي المرأة غير المحتشم أغواه، أو أنها استدرجته بتبرجها وغنجها! كثيرون يعولون على أن إصدار نظام يكافح التحرش كفيل بإنهاء المشكلة، لكني لست متفائلة كثيرا، فطالما أن الناس يصرون على الربط بين وقوع التحرش وتبرج النساء وعدم تسترهن وخروجهن بلا محارم، فإنه من المستبعد أن تنتهي مشكلة التحرش، فهذا الربط بين الاثنين: التحرش وتبرج المرأة، يجعل المتحرشين يرسخ في نفوسهم الاعتقاد أنهم معذورون متى تحرشوا، وأنهم ضحايا الإغراء والإغواء، فلا يشعرون بمسؤوليتهم تجاه ما يفعلون ومن ثم لا يحرصون على الكف عن رقاعتهم. هذا يعني أن وجود نظام يجرم فعلهم، لا يكفي وحده، ولا بد من مساندته بالتوقف عن إعطاء المتحرشين مبررات تسوغ فعلهم. لن يمكن السيطرة على التحرش، ما لم يطرد المتحرش من ذهنه الاعتقاد بأنه مغلوب على أمره أمام إغواءات النساء، فيدرك أنه شرعا ونظاما، لا حق له في التحرش بالمرأة، حتى وإن ظهرت متجردة، فتجردها يقع وزره عليها، لكنه لا يعطيه ضوءا أخضر لينساق وراء السفالة. نحن في حاجة إلى أن يكون الخطاب حول التحرش خلوا من تصوير المرأة شريكا في حادثة التحرش، سواء بحجة التبرج أو غيره، وأن يكون استنكار التحرش موجها بكامله إلى فعل التحرش وحده. أما دعوة النساء إلى التستر والاحتشام، فإن مكانها ضمن توعية النساء بكيفية التحوط من التعرض للتحرش، والتعريف بما يجب على المرأة أن تفعله لحماية نفسها، أما لوم المرأة واعتبارها متسببة في دفع الرجل إلى التحرش بها، فهذا ما لا ينبغي أن يكون وليس مقبولا على الإطلاق. [email protected]