ما من أحد منا إلا ويحمل هما، أو هموما، كل على قدر ظروفه وأحواله، حيث تختلف هذه الهموم من شخص لآخر، فهموم الكبير غير هموم الصغير، وهموم الشاب تختلف عن هموم الفتاة، بل إن الأطفال ليحملون هموما تتناسب وطفولتهم. ورد فعل كل فرد يختلف عن الآخر، وأعتقد أن المعيار هنا يتمثل في قوة الإيمان التي - بلا شك - تتباين بين الناس، فمنا من يفوض أمره إلى الخالق، فيكون همّ رضا الله عنه هو الشاغل له عن كل هموم الدنيا، ومنا من يحمل هم الرزق، أو هم النجاح، أو هم إرضاء رؤسائه.... وقد سأل رجل مهموم حكيما فقال: لقد أتيتك وما لي حيلة مما أنا فيه من الهم. الحكيم: سأسألك سؤالين وأريد إجابتهما. الرجل: اسأل. الحكيم: أجئت إلى هذه الدنيا ومعك المشاكل ؟! فقال: لا. الحكيم: هل ستترك الدنيا وتأخذ معك المشاكل ؟! فجاء جواب الرجل بالنفي (لا). فقال الحكيم: أمر لم تأت به، ولن يذهب معك، الأجدر ألا يأخذ منك كل هذا الهم، فكن صبورا على أمر الدنيا، وليكن نظرك إلى السماء أطول من نظرك إلى الأرض، يكن لك ما أردت. ابتسم، فرزقك مقسوم، وقدرك محسوم، وأحوال الدنيا لا تستحق الهموم، لأنها بين يدي الحي القيوم. هكذا ينبغي أن نواجه همومنا التي لم نولد بها، ولن ترافقنا بعد موتنا، وأن نقابلها بصبر. ولقد أعجبتني عبارة في رد الحكيم، ألا وهي: «وليكن نظرك إلى السماء أطول من نظرك إلى الأرض، يكن لك ما أردت». فإرضاء الله تعالى هو الغاية التي يجب أن نتوجه إليها، وهو الهم الذي يجب أن يشغلنا، وألا تكون الدنيا هي مبلغ علمنا ولا أكبر همنا، فإذا تحقق ذلك، كان لنا ما أردنا، فالله يكفينا هموم الدنيا، مصداقا لقوله تعالى: «أليس الله بكاف عبده». أعلم أنه ليس من السهولة أن أقنع المهمومين بكلامي هذا، ولكن دعونا نجرب، وندرب أنفسنا على اللجوء إلى الله تعالى، إذا همنا أمر من أمور الدنيا، ولنعلم أن الدنيا بأسرها لا تستحق أن تكون بؤرة اهتمامنا، ومحور قلقنا وانشغالنا. علينا أن نتحلى بالابتسامة، قاهرة الهموم، مزيلة الأحزان، والسبب معروف لنا، لكننا نغفل عنه: فالرزق مقسوم، والقدر محسوم، وأمورنا بين يدي الحي القيوم. هذه «وصفة» و «نصيحة» لكل المهمومين، والله تعالى أسأل أن يفرج كرب المكروبين، ويذهب هم المهمومين. [email protected]