اللون يرسم ملامح التعامل الإنساني في الولاياتالمتحدةالأمريكية منذ نشأتها، ولا يزال اللون سيّداً يجولُ بعنصريته بين البيض والسود في ولايات أمريكية عدّة، وآخرها ما حدث في منتصف عام 2016، إذ قامت مظاهرات تندد بالتمييز العنصري جراء حادثة قتل قام بها شرطي في مدينة دالاس بولاية تاكساس جنوبأمريكا. من يقرأ روايات الفائزة بجائزة نوبل 1993 وجائزة بوليتزر، الأمريكية توني موريسون، يجد النفس الملحمي يظهر جليّاً في أعمالها السردية المتعددة، وكانت رواية «ليكن الرب في عون الطفلة» الصادرة عن دار أثر بترجمة بثينة الإبراهيم، والتي تعدّ آخر رواية أصدرتها موريسون، هي استكمال لمسيرة مناوئة للعنصرية ومناهضة للون الذي يحدد التعامل سواءً في العلن كما كان قديماً، أو في السرّ كما يحدث الآن في مدن الدولة العظمى. تقول موريسون إنها منذ ولادتها عام 1931 في مدينة لورين بولاية أوهاي «لا أنتقص الناس، ولا أحمل سيفاً»، مؤكدة «أريد فقط ملء الفراغ بصوت النساء السوداوات»، وتشير في لقاء معها أجرته إذاعة NBR الأمريكية أنها «لا تكتب انتصاراً من العنصرية، بل لتغيير اللغة». وتسرد موريسون بداياتها الأولى «نشأت في طبقة عاملة تسكن مدينة لورين، أوهايو، والتي تخلو من أحياء السود، وتوجد بها ثانوية واحدة، إذ تختلط الأعراق إما قادما من الجنوب، أو مهاجرا من شرق أوروبا، ولم تكن هناك سوى كنيسة واحدة، وأربع مدارس ابتدائية، وجميعنا فقراء»، موضحة «لم تكن خطوط العنصرية واضحة. ولم أكن واعيةً بوجود التفرقة والفصل بين الأعراق حتى غادرت لورين، كنت أعتقد أن العالم كله مثل لورين». وتكشف موريسون أن المفارقة في حياتها كانت بين أبويها، فوالدها الحداد كان مؤمناً باستحالة زوال العنصرية بين الأعراق في النسق الأمريكي، بينما والدتها الموسيقية كانت تسعى دوماً إلى عدم الحكم على أساس اللون للعرق، وإنما على أفكار الشخصيات، ما انعكس على شخصيتها في البدايات، منطلقةً إلى القراءة للأدب الكلاسيكي، وأصرّت على دراسة الإنسانيات والآداب في جامعتي «هاورد» و «كورنيل»، متخصصةً في القانون ثم الآداب عام 1953 واستكملت تحصيلها العلمي لتنال شهادة في علم النفس عام 1955. وتعتقد موريسون أن «موسيقى والدتي أثرت كثيراً على لغتي لكن لم يكن عن وعي أو عمد»، وترى أن «الراديو أيضاً كان له الدور في لغتي السردية»، لافتةً إلى أن «صوت النص مهم جداً»، مشددةً على أن «من يقرأ كل كتبي عليه أن يسمع كلماتي كما أسمعها»، كما أن «مناهضة أمي للعنصرية، كرّست موضوعاتها في رواياتي وقصصي»، وتستذكر موريسون أن والدتها «تعشق المسارح في أيام السبت، والجلوس في الأماكن المخصصة للبيض فقط، وعندما عُلّقت لافتات على الجدران تهدد السود الذين يجلسون في أماكن البيض بالطرد، كان تمزق اللافتات وتنثرها في جميع أنحاء المكان»، وتؤكد أن والدتها حملت هم صوت المظلومين، إذ «كانت تكاتب الرئيس روزفيلت بشان أوضاع السود»، في تعليل لبدايتها في الكتابة منذ سني أيامها الأولى في الجماعة لدعم المتظاهرين آنذاك من نيل حقوقهم المدنية. وانخرطت موريسون في العمل في جامعات عدّة منها «الجامعة الجنوبية بولاية تاكساس» و «هاورد»، و «ييل»، كما أنها عملت كمحررة أدبية في مؤسسة راندوم للنشر عام 1964، وهذا ما دفع بأدب الكتاب السود إلى الواجهة، إذ تؤكد أنها حريصة على دعم القضية ضد التمييز الذي يعانونه في الماضي. تقارب موريسون عامها التسعين محتفلةً بالآلام والأوجاع والندم، في محاولة لعدم التركيز على شيء محدد كي تتمكن من التخيل أو الابتكار، واصفةً حياتها الآن ب «أنها مجرد المسح لعبث متناهي الصغر في ذاكرتي».