أصبح كثير من الناس لا يتورع عن أكل أموال غيرهم بالباطل وربما اعتبر ذلك شطارة وذكاء حتى أن بعضهم ليختال وهو يصرح بأنه قلب الباطل حقا والحق باطلا أي أنه استطاع الاستيلاء على حقوق غيره بما قدمه من أوراق ومستندات ومن لحن بحجته وهو يعلم علم اليقين أن كل ما قدمه غير صحيح جملة وتفصيلا ولكن نفسه الأمارة بالسوء تزين له السعي الدؤوب والاحتيال ليصل إلى هدفه وهو أكل أموال الناس بالباطل مع أن المصطفى عليه الصلاة والسلام حذر من هذا النوع من الظلم عندما قال عليه الصلاة والسلام: «لعل أحدكم أن يكون ألحن بحجته من أخيه فمن قضيت له من حق أخيه شيئا فإنما أقطع له قطعة من النار». وقد استخدم آكلو أموال الناس بالباطل كل السبل التي توصلهم إلى أهدافهم الخبيثة، فإن كان الأمر يحتاج إلى شهود جلبوا شهودا ومزكين زورا ليشهدوا لهم بأنهم على حق في مطالباتهم أو بحثوا عن محام للدفاع عن مستنداتهم وأوراقهم المتهافتة خاصة إذا كانت سمعة ذلك المحامي أنه يستطيع أن يقلب الحق إلى باطل والعكس، فإذا ما حصل الواحد منهم على حكم قضائي لصالحه واستطاع الاستيلاء على أموال أو أرض غيره أو حتى على أرض من الأراضي العامة فإنه يظن أن الحكم القضائي سوف يحميه من الحساب والعقاب، والله سبحانه وتعالى أنزل آية شريفة يحذر الناس فيها من أكل أموال بعضهم بعضا: «ولا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل وتدلوا بها إلى الحكام لتأكلوا فريقا من أموال الناس بالإثم وأنتم تعلمون» وجاء في تفسير هذه الآية أن المقصود بها تحذير الذين يتخاصمون إلى الحكام أي القضاة ويقدمون لهم ما يقنعهم وأن لهم حقا في أموال الآخرين ليأكلوا بذلك فريقا من أموال الناس بالإثم وهم يعلمون أن ما أكلوه حراما مع أن الحكم الذي حصلوا عليه حكم بشري قابل للخطأ والصواب ولكن الله الذي سيقضي بين عباده بالحق سوف يسترد منهم ما أخذوه بالباطل يوم لا ينفع لا مال ولا بنون، وصدق الشاعر إذ قال: إلى الديان يوم الدين نمضي وعند الله تجتمع الخصوم ولذلك فإن على كل من يسعى لأكل أموال الناس بالباطل أن يعلم علم اليقين أن الحقوق ستسترد منه ذات يوم، كما أن أي محام يساعد معتديا على حقوق الآخرين وكل شاهد زور يدلي بشهادته سوف يسأل عنها وعن عمله في يوم تشهد فيه عليه جوارحه من يد ولسان وقدم.. والله الهادي إلى سواء السبيل.