الدكتور عبدالرحمن حمود السميط رجل من زمن لا يعود ولا يستعاد.. داعية كويتي ورجل دين عصري.. كان طبيبا في الأمراض الباطنية والجهاز الهضمي ونموذجا يحتذى به في العطاء والعمل الدعوي الإنساني توفي في 15 أغسطس 2013، وترك سيرة عطرة وعملا عظيما.. الأعمال العظيمة لا تموت.. هناك من قضى سنوات طويلة في اقتسام الخسارة عوضا عن الربح وهناك من قضى سنوات عمره وهو يسمع نشرات الأخبار.. الدكتور عبدالرحمن السميط مات واقفا.. صنع تاريخه بيده.. التاريخ صناعة بشرية.. عندما فاز بجائزة الملك فيصل لخدمة الإسلام تبرع بمكافأتها لتكون نواة للوقف التعليمي لأبناء أفريقيا.. أفريقيا التي تعرض فيها لمحاولات قتل عديدة من قبل المليشيات المسلحة بسبب حضوره الطاغي في أوساط الفقراء والمحتاجين.. قضى أكثر من ربع قرن في أفريقيا وكان يأتي للكويت فقط للزيارة والعلاج حيث ابتلي بمرض السكر والضغط.. كان مثل البحارة الذين يأتون ويذهبون ويتركون وعدا ويرجعون دائما بالهدايا.. تعامل مع الفقر في أفريقيا بتصميم مدفع رشاش.. له قول مشهور عن الصدقة «المشكلة ليست أن تتصدق أو لا تتصدق.. لكن كيف تتصدق وبماذا تتصدق» داعية متفتح كان عندما يتكلم كان كلامه يتدفق يخرج من بين شفتيه ملونا ومفيدا عكس بعض الدعاة الذين عندما يتكلمون يبدون مثل سمكة مختنقة ويهجم عليك النعاس.. لذا لم يكن غريبا أن يسلم على يديه 11 مليون شخص بعد أن قضى 29 عاما ينشر الإسلام في أفريقيا أي بمعدل 972 مسلما يوميا.. اجتمعت به في الكويت في منزل أحد أمراء الكويت كان يرحب بنا كمنشور ضوئي في دشداشة بيضاء.. رطب مثل نبته كانت ابتسامته تمتد مثل فراشة على وجهه.. كان يتحدث إلينا ببساطة رغيف خبز على المائدة اليومية.. عندما يتحدث تخرج الكلمات من فمه كأنها العصافير كان يتحدث عن حلمه الدعوي.. عاش ذلك الحلم.. الأحلام ممتعة حين تعرف كيف تعيشها.. كيف تمارسها.. كيف تنقشها كالحنايا في الكف كان يعيش حلما كبيرا.. الأحلام الكبيرة لا تتجزأ.. الأحلام مثل الناس ليست واحدة.. انظر هل أصابع يدك واحدة؟ حكي لنا حكايات كثيرة عن الموت في أفريقيا والذي ينعق مثل الغربان فوق الرؤوس.. وكيف يموت الموت هناك كل يوم حيث أصبح حدثا ثانويا في حياة البشر.. وكيف أن الأمراض هناك لا تأتي صدفة ولا دفعة واحدة بل تسري كالوباء المنتظم في الجسم حتى تتمكن منه.. يتحدث أحيانا وهو يمسح دموعه.. يبكي بين القصص بكاء خفيفا صادقا كان في صوته ذبحة حزن.. أعرف كيف أحكي كل ما سمعت في تلك الجلسة لأن أثر ما كان يطرحه أقوى من النسيان لكن ضيق المساحة تفرض علي أن أكتفي بواحدة.. يقول «إنه كان في زيارة قرية في إثيوبيا رئيس القرية فقد 40 من الإبل و 60 من البقر وعددا كبيرا من الماعز والغنم عندما زاره وجده نحيلا وقد فقد زوجته وبعضا من أولاده ولم يتبق عنده إلا عجل ضعيف طلب منه أن يأخذه وهو يبتسم قال له تستطيع أن تأخذه لأنه سيموت خلال يومين أو ثلاثة فلا يوجد ماء ولا علف يقول تركته وأنا أتجول بين أطفال شبه هياكل عظمية تمشي على قدمين بعضهم يحبو وهو في العاشرة وبعضهم لم يأكل منذ أيام يقول دخلت وزوجتي كوخا عرفت أن الأم بالكوخ ومعها أطفالها لم يأكلوا من ثلاثة أيام ذهبت ابنتي للسيارة وأحضرت كيلو من الدقيق وفوجئنا بأن المرأة صدمت واستغربت أن نعطيها طحينا، قالت لماذا هذا قلنا لها لم تأكلي منذ 3 أيام أنت وأولادك قالت نحن أغنياء والحمد لله نحن لم نأكل منذ 3 أيام خلفنا جيران لم يأكلوا منذ ثمانية أيام دمعت أعيننا وقارنا بين وضعهم ووضعنا نحن لو غابت عنا وجبة واحدة لقلبنا الدنيا.. ليس إذا غابت الوجبة فقط بل إذا كان نوع الأكل متكررا أو لا يتناسب مع أذواقنا»، كان يتحدث من ذاكرة أليمة ساخنة يطرح القصص أمامنا كرأس رمح في مكان ما تحت الضلوع كانت حكايات كثيرة.. حكايات أقرب إلى الأساطير.. قد أعود بها إليكم فللأساطير علاقة بالواقع.. بواقعنا.. الكتابة توثق الواقع.. رحمك الله يا عبدالرحمن فقد كنت رجلا تعطي ولا تأخذ!! لا تريد أن تأخذ!! وماذا تأخذ في نهاية المسيرة لا شيء يؤخذ!! كان عليك أن تعطي ولا تنتظر بدلا!! قدرك أن تعطي ولا تنتظر بدلا!!.