كانت الجدات يدعوننا إلى الإحسان للغرباء. ويؤكدن أن الغرباء ملائكة يبعثهم الله في صورة بشر ليختبرون الناس (يشكرون أم يكفرون). كان يمر بالقرية في رمضان (معوزون) من قرى مجاورة يطلبون المساعدة ويقبلون ما تجود به الأيادي لهم من قمح أو شعير أو خبز أو تمر أو طاسة لبن يُطلق عليهم (متشبرون). جاء شرقي ليتفرّك أثناء موسم حصاد القمح والفريكة (جمع ما تيسر من القمح). مر بالمزارع والنساء والرجال منهمكون في صرم الحنطة ولقط السنابل. وقف صامتا. انتبه له رب المزرعة. لفّ له حزمة كبيرة وأعطاها المتشبر قائلا (هذه فريكتك). نظر الشرقي في الحزمة، لم تملأ عينه. حرّك مشعابه (عصاة معقوفة الرأس) وقال للحضري: فرّك المشعاب. عاد المزارع إلى الركيب وجمع حزمة أكبر من الأولى وحملها وصعد بها إلى مكان الشرقي قائلا: «هذي فريكة مشعابك». تبسم المتشبر وفتل شاربه وطبع قبلة على المشعاب مرددا (قدرك يا مشعابي أكبر من قدري). بعض المتشبرين كان يختار المسجد وجماعة المصلين يدلونه على بيت العريفة. يضع كيسه عنده ويمكث عدة أيام يطوف بالمنازل ليجمع ما تيسر. البعض يمد له بعطاء جيّد والجود من الموجود. والبعض يعتذر أو يقول: «الله يعطينا ويعطيك» امتثالا لقوله تعالى: «وأما السائل فلا تنهر». بعد أداء صلاة الجمعة يقف العريفة من الصف الأول ويدعو الجماعة إلى الانتظار في ظلة المسجد. يخرجون بهدوء، كل واحد يبحث له عن حجر أملس يجلس عليه تحت الحماطة السخية أغصانها بالظل على باحة ضيّقة وصدور واسعة. يخرج العريفة من باب المسجد فيقف الجلوس احتراما ويختارون له موقعا وسطا بينهم. يبدأ بحمد الله والصلاة على رسوله والدعاء لهم بالقبول ويضيف: «إلا وغير. مرنا شبار خير . واليوم سيعود لأهله. فلا تبخلوا عليه»، يردون بصوت واحد: «يبشر بالخير». اليوم تطورت أساليب التشبر والتسول. دخل فيها احتيال. وبعضهم يتعمد الكذب والحلف ما يوقع المؤمن في حرج، واللافت أن رجال الأمن في كل مرة يضبطون «بغاة» يجدون بحوزتهم مبالغ مالية كبيرة. وكما قال المثل: «من خدعني مرة حسبي الله عليه، ومن خدعني مرتين حسبه الله عليّه». علمي وسلامتكم.