الحبيب عبدالعزيز.. كما ترى نحن نجتمع في رمضان، وأبواب السماء مفتوحة في هذه الأيام، لذلك لم أتردد في الكتابة إليك. الأمور لا زالت على «حطة إيدك»: الناس هم الناس، والشوارع هي الشوارع، والقضايا هي القضايا... عدا أنه صار لدينا الكثير من مواقع التواصل في الفضاء، بعد أن عجزنا عن التواصل على الأرض: فيسبوك، تويتر، سناب، إنستغرام، واتس أب، يوتيوب... أصبح لدينا سيل من النصوص والروايات والمجموعات ومعارض الكتب وحفلات التوقيع واللقاءات التلفزيونية... أنت تعلم فنون الرقابة، في لحظات معينة تتجاوز المنع إلى الإغراق. الصوت المختلف يمكن أن تكتمه، ولكن بما أننا في عصر الفضاءات المفتوحة، فالأفضل أن تسمح للجميع بالصراخ، حتى لا نميز حرفا من حرف، ولا نبني فكرة على فكرة. «اختلط حب المساقي بحب العثري».. مؤكدا أنك تضحك الآن فيما تردد هذا البيت الأثير لديك. أتعلم؟ أحمد الله كثيرا أن المنتجين لم يلتفتوا إلى أعمالك بعد. شاهدت بعض حلقات من مسلسل يسمى (حارة الشيخ) يدعي أنه يمثل الحارة الجداوية. لدينا قدرة عظيمة على تخريب الماضي، لا تمت إلى الفن أو الواقع بصلة. حمدا لله أنهم لم يتجاوزوا الحارة إلى القرية... لا زلت في مأمن منهم يا صديقي العزيز. لدي اعتذار من صديق من أصدقاء طفولتك. تعرف مدى جلافةِ القرويين، وانحباسِ المعاني في ألسنتهم. هم يقولون القول أحيانا فيما يقصدون معنى آخر. حين سكنتَ في جدة في بداية التسعينات تلكأ ذلك الصديق في زيارتك. عندما زارك متأخرا سألته عن عوده... أجابك بالحرف: «والله كان في بالي بس خفت على نفسيتك». رددت عليه بالحرف أيضا: «هوّه يا صالح... ما بقي فيّ إلا نفسيتي تبغى حتى هيْ تتحارف عليها؟!». يقول صالح إنه لم يهنأ له عزف منذ تلك الليلة. يقول إن الحياة أصبحت أضيق عليه من (علبة الصلصة) منذ غادرتها ولم يتمكن من الاعتذار منك. ما زلت بيننا يا صاحبي. نتذكرك كلما شاخت الكلمات من حولنا، كلما أصبحت الطرقات متشعبة، والخيارات صعبة. نتذكرك كلما حن طائر إلى غصن، أو وتر إلى نغم... نتذكرك كلما ارتفعت الجدران ولم نجد بابا... اختلطت العبارات ولم نعثر ولو على جملة مفيدة واحدة... * شاعر سعودي