حذر مفتي عام المملكة رئيس هيئة كبار العلماء الرئيس العام للبحوث العلمية والإفتاء الشيخ عبدالعزيز بن عبدالله آل الشيخ من إذكاء نار الفتنة وإيقاظها في المجتمعات الإسلامية وإطلاق أحكام التكفير على المسلمين. وقال في حوار مع «عكاظ» إن إخراج المسلم من دائرة الإسلام أشد خطرا من مجرد سبه وقذفه وأن النصوص الشرعية حرمت إطلاق الكفر على المسلم بمجرد الظن والهوى بغير علم، مؤكدا تشويه الذين يكفرون الناس بلا حجة لسمعة الإسلام، «يظهرون أن دين الإسلام دين الإرهاب وسفك الدماء وانتهاك الأعراض ونهب الأموال ويشوهون صورة الإسلام»، فإلى نص الحوار: • ماذا يعني أن الفتنة نائمة وأن موقظها ملعون، وكيف نحث المجتمع على الترابط وتكوين صف منيع ضد أهل الفتنة والأهواء والإرجاف؟ •• ينبغي على أفراد المجتمع السعي على جمع الكلمة ووحدة الصف ولم الشمل والحرص على الإصلاح بشتى الوسائل والسبل، فإن ما يروى من أن (الفتنة نائمة لعن الله موقظها)، معناه أن الفتن خامدة مختفية وهي موجودة فلعن الله من أيقظها وسعى في نشرها ودعا إليها وصد الناس عن سبيل الله المستقيم سواء أكانت بفتنة في دينهم بما يروجه من الشبهات والدعوات الضالة وبما ينشره من الفواحش والمنكرات أو ما يفتن به الناس باختلاف كلمتهم وقلوبهم وشق عصا الطاعة بينهم وإحداث البغضاء والعداوة بينهم وإيقاد نار الحرب والقتال بين المسلمين فكل هذا من إيقاظ الفتنة. وعلى المسلم أن يسعى في الإصلاح والتوفيق بقدر ما يستطيع لقول الله تعالى: «وإن طائفتان من المؤمنين اقتتلوا فأصلحوا بينهما فإن بغت إحداهما على الأخرى فقاتلوا التي تبغي حتى تفيء إلى أمر الله فإن فاءت فأصلحوا بينهما بالعدل وأقسطوا إن الله يحب المقسطين». وقال: «يا أيها الذين آمنوا إذا تناجيتم فلا تتناجوا بالإثم والعدوان ومعصية الرسول وتناجوا بالبر والتقوى». والله تعالى جعل لمن غرم من ماله للإصلاح بين الفئات المتنازعة نصيبا من الزكاة، فقال: «والغارمين"»، الله يحب الإصلاح بين الناس، أما الساعون في الفتن الموقدون لها المروجون الباذلون أسبابها الممهدون لها فكل هؤلاء أعداء الأمة والدين، إن المسلم يحرص دائما على جمع الكلمة ووحدة الصف والتقاء الأخوان والتباحث والتعاون لا سفك الدماء ونشر الفوضى. دعاة الفتنة • كيف يمكن التصدي لدعاة الفتنة في ظل كثرة وسائل الترويج لها؟ •• كل فرد منا مسؤول ومؤتمن على دينه ووطنه واقتصاده وخيراته ووحدته، وكل فرد مسؤول على قدر واقعه، وليعلم أنه مؤتمن على دينه وبلده وأمنه واستقراره وترابطه وانتظام قيادته، كل منا مسؤول ومحاسب، إن التعاون مع الأعداء في سبيل إضعاف الأمة أو إيقاع البلبلة في صفوفها أو التحريض على سفك الدماء، ليس هذا إلا من خلق المجرمين الكذابين الضالين المضلين، أما أهل الإسلام والسنة فهم على العكس من ذلك فهم مطيعون لله ورسوله متعاونون مع ولاة أمورهم حريصون على الحفاظ على كيانهم وأمنهم واستقرارهم بعيدين عن كل هذه الفتن قليلها وكثيرها. إطلاق التكفير • هذه الجماعات المتطرفة انتهجت في أدائها وأفكارها التكفير تمهيدا لاستباحة الدماء، ويظهر هذا جليا في كثير من الوقائع الحاصلة في عالمنا هذه الأيام، كيف يمكن أن نرد ونوضح هذه النقطة؟ •• إذا كانت النصوص الشرعية تحرم سب المسلم وتحرم قذفه وتحرم السخرية به ولعنه فكيف بإخراجه من دائرة الإسلام؟ هذا أعظم خطرا وأشد، ولذا جاءت النصوص من الكتاب والسنة تحرم إطلاق الكفر على المسلم بمجرد الظن والهوى بغير علم وتمنع من ذلك حتى يكون المسلم على بصيرة من دينه ولا بد أن يبين للمسلم أضرار التكفير وأخطاره وضوابطه وكيف علاج هذه الظاهرة. نصوص الكتاب والسنة جاءت باحترام أعراض المسلمين واحترام دين المسلمين حتى يكون المسلم على بصيرة من أمره قال جل وعلا: «يا أيها الذين آمنوا إذا ضربتم في سبيل الله فتبينوا ولا تقولوا لمن ألقى إليكم السلام لست مؤمنا تبتغون عرض الحياة الدنيا فعند الله مغانم كثيرة كذلك كنتم من قبل فمنّ الله عليكم فتبينوا إن الله كان بما تعملون خبيرا». فنهاهم أن يطلقوا الكفر على من تظاهر الإسلام حتى يأتي بحقيقة الأمر (ربما -حتى يتبين حقيقة الأمر) فإن من أعلن إسلامه وجب علينا قبول إسلامه والحكم عليه بالإسلام ظاهرا إلى أن يأتي ما يناقض ذلك، قال جل وعلا: «والذين يؤذون المؤمنين والمؤمنات بغير ما اكتسبوا فقد احتملوا بهتانا وإثما مبينا». ورمي المسلم بالكفر من أعظم الأذى والإيلام له، قال جل وعلا محذرا لنا أن نحكم على الأمور بلا علم ولا بصيرة: «ولا تقف ما ليس لك به علم إن السمع والبصر والفؤاد كل أولئك كان عنه مسؤولا». وسنة محمد - صلى الله عليه وسلم - منعت المسلم من إطلاق الكفر بمجرد الهوى والظنون والتخرصات، وفي الصحيحين عن عبدالله بن عمر رضي الله عنهما أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: «أيما امرئ قال لأخيه: يا كافر. فقد باء بها أحدهما. إن كان كما قال. وإلا رجعت عليه». أي إذا قلت لإنسان يا كافر فإنه يبوء بها إما أنت أو هو فإن كان ليس كذلك رجع ذلك الإثم عليك فيخشى عليك من أن تكون كافرا بعد إسلامك. وعن أبي ذر رضي الله عنه: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «من دعا رجلا بالكفر أو قال يا عدو الله وليس كذلك إلا حار عليه». فإذا قلت لإنسان يا كافر أو قلت يا عدو الله وليس كذلك هو مسلم من أولياء الله فإن إثم ذلك يرجع إليك فيخشى عليك والعياذ بالله من أن تقع في الإثم العظيم فإن لفظ عدو الله لا تطلق إلا على من خالف الإسلام لأن المؤمن وإن قصر وإن أخل بشيء لكن لا يستحق أن يقال عدو الله فإن العدو لله المناوئ لدينه المبغض لشريعته قل يا عدو نفسك أو نحو ذلك واحذر من إطلاق هذا اللفظ بلا روية فإن ذلك إثم عظيم. آثار التكفير • ولم كان التكفير أمرا خطيرا لهذه الدرجة، وما رابط هذا الأمر بجرائم القتل والتدمير وخلافها؟ •• هناك أخطار عظيمة تترتب على التكفير، فآثاره تضر بالفرد والجماعة المسلمة وعلى الإسلام عموما فضرره على الفرد إذا حكم عليه بالكفر فمعناه أنه حكم عليه بردته والخلود في النار والتفريق بينه وبين امرأته ولم تجعل له ولاية على أولاده ولا الميراث بينهم ولا تصلي عليه ولا يدفن في مقابر المسلمين ولا يكون التوارث بينه وبين أبنائه وزوجته لأنه حكم عليه بالكفر فيترتب على هذا الحكم أمور كثيرة. ذلك خطر عظيم ثم إنك إن واجهت هذا الشخص بالكفر من قبل أن تدعوه إلى الله تقنطه من رحمة الله وتجعله يصر ويعاند ولا يقبل منك ما تدعوه إليه. وأما ضرره على الجماعة المسلمة فإنه يشتت الكلمة ويفرق الصف ويغرس العداوة والبغضاء في النفوس ويخالف ما تدعو الشريعة إليه من التعاون والتناصر وإصلاح الأخطاء وتقويم ما أعوج من السلوك ويغلق باب التناصح والدعوة إلى الله بالتي هي أحسن إذ الداعي إلى الله لا يهمه التكفير وإنما مبدؤه الإصلاح والتبصير والترغيب في الإسلام وبيان محاسنه وفضائله ودعوة الناس إليه هذا هو المطلوب منه أولا أما أن يواجه الناس بالتكفير من قبل أن يبلغ حجة الله ويقيم عليهم الحجة فهذا أمر خطير يترتب عليه مفاسد عظيمة. وأما ضرره على الإسلام عموما فإن هؤلاء الذين يكفرون الناس بلا حجة يشوهون سمعة الإسلام ويظهرون أن دين الإسلام دين الإرهاب وسفك الدماء وانتهاك الأعراض ونهب الأموال ويشوهون صورة الإسلام بما يحدثونه من هذا، إذ هذه الكلمة تسبب لهم عدم احترام الدماء والأموال والأعراض حيث حكموا بالكفر فرتبوا على هذا الكفر ما يقصدون وما يريدون، وهذا أمر خطير بل هذا مذهب الخوارج الذين حذرنا منهم نبينا - صلى الله عليه وسلم - إذ أخبرنا أننا نحقر صلاتنا عند صلاتهم وقراءتنا عند قراءتهم ولكنهم يمرقون من الدين كما يمرق السهم من الرمية وأنه - صلى الله عليه وسلم - قال : «لئن أدركتهم لأقتلنهم قتل عاد». فهؤلاء مجتهدون في الصلاة والتلاوة والتهجد لكن ضاقت صدورهم من سعة رحمة الله وفضله فكفروا المسلمين بمجرد الخطأ ورتبوا على هذا أمورا عظيمة سلوا سيوفهم على أهل الإسلام وأمسكوا عن أهل الأوثان فما رفعت الخوارج راية للإسلام وما غدت في سبيل الله ولكن شرهم على أهل الإسلام قديما وحديثا.