لم يعد خافيا على أي متابع أن الأممالمتحدة تفتقد الحياد وأنها أصبحت مسيسة بشكل فاضح أكده تعاملها مع كثير من الأزمات، وخصوصا في البلدان العربية التي أصبحت ساحات مفتوحة للاحتراب والفوضى وسفك دماء الأبرياء. لقد أسهمت بشكل مؤكد في تعقيد هذه الأزمات وإطالتها بمواقفها الملتبسة وأدائها المزدوج وتعاملها المشبوه مع الأطراف المعتدية الخارجة على الشرعيات والمتسببة في إراقة الدماء وإنهاك الشعوب، وأوضح مثال على ذلك ما حدث ويحدث في اليمن، فقد كان للمبعوث الأممي السابق دور كبير في تقوية شوكة الحوثيين وتحويلهم من ميليشيا متمردة على الشرعية إلى طرف سياسي، وتشجيعهم على الخروج من معقلهم لاكتساح اليمن ونشر الدمار على أرضه، هذه حقيقة مؤكدة وليست مجرد شبهة أو تهمة بلا دليل. وبعد صدور القرار 2216 الذي وضعت المملكة كل ثقلها لاستصداره تحت الفصل السابع لإنقاذ اليمن من أزمته المستفحلة وأصبح رهن التنفيذ بمضامينه المعروفة تراخت الأممالمتحدة وكأنها لم تصدره وتقاعست عن تنفيذ أي بند من بنوده، وبدلا من ذلك وضعت الحوثيين وحليفهم صالح طرفا في مفاوضات جنيف مع أنه مطلوب إخضاعهم لتنفيذ القرار بالقوة، هذا التحول جعلهم يتصرفون برعونة وثقة ليضموا إليهم بشكل علني حليفا خارجيا له أجندة إستراتيجية تخريبية بعيدة المدى، وليتوغلوا في بسط نفوذهم في كل الاتجاهات، ما دعا الحكومة الشرعية للاستنجاد بالمملكة التي بذلت جهودا كثيفة لإيجاد حلول سياسية سلمية لكن لم يكن هناك من يحترم أو يعبأ بهذا التوجه ليصبح الخيار الوحيد هو الحل العسكري عبر تحالف عربي بقيادة المملكة، حرص على استهداف سلاح ومكامن عصابات المتمردين بدقة تتجنب المدنيين والمنشآت المدنية بكل الوسائل الممكنة. الأممالمتحدة غابت عن المشهد قبل وبعد عاصفة الحزم، وكل ما فعلته استبدال مبعوث بآخر انتهى بالأزمة المتفاقمة إلى مفاوضات جديدة في الكويت ما زالت متعثرة بسبب تعنت الحوثيين واستمرار انتهاكاتهم. وفي ظل هذا المشهد الذي لا يحتاج إلى مزيد من التأزيم تفتق ذهن الأممالمتحدة عن تقرير عجيب يوضح بجلاء أنها منظمة لخلق الأزمات وليس للإسهام في حلها، وأنها ذراع سياسية لمشروع الفوضى الممنهجة. تقرير الأممالمتحدة الأخير بإدراج التحالف الذي تقوده المملكة ضمن القائمة السوداء لانتهاكات الطفل في النزاعات والحروب هو فضيحة جديدة لها لأنها غير موجودة على أرض الحرب، وليس لديها معلومات صحيحة تجعل تقريرها موضوعيا لأنها غائبة عن ساحة النزاع، والمعلومات المتوفرة تؤكد تجاهلها لمخاطبات الحكومة الشرعية بشأن تجنيد الحوثيين للأطفال الذين شاهدهم العالم على شاشات التلفزة، واستهدافهم المتواصل للمدنيين كما حدث مؤخرا يوم الجمعة الماضية بقصفهم لسوق شعبي في تعز مما دفع رئيس الوفد الحكومي في مفاوضات الكويت لمخاطبة الأمين العام والاتصال بسفراء الدول الخمس دائمة العضوية في مجلس الأمن والدول الراعية لاتخاذ موقف صريح وحازم من قبل المجتمع الدولي لوقف الانتهاكات الهمجية ضد المدنيين، لكنه ثبت أن الأممالمتحدة تتجاهل الحكومة الشرعية وتخاطب الانقلابيين رسميا وتستند إلى معلوماتهم المضللة، فأي مصداقية لذلك التقرير وأي مصداقية للأمم المتحدة؟. لقد أصبحنا إزاء تحول جذري من إخضاع الانقلابيين للشرعية وتنفيذ كل بنود القرار 2216 إلى الانحياز إليهم والاعتماد عليهم والثقة بمعلوماتهم لخلق أزمات جانبية على هامش الأزمة الرئيسية، وذلك ما يجعل الأممالمتحدة نفسها الأكثر استحقاقا بأن تكون على رأس قائمتها السوداء.