يتساءل نقاد ومتابعون عن مدى تعبير الرواية السعودية عن البيئة المحلية. وهل نجح الروائيون في نقل صورة واقعية عن المكان ليكون واضح المعالم للقارئ العربي والعالمي. البعض يذهب إلى أن الرواية بنت المدينة. والبعض يؤكد قدرة الكاتب السردي أن ينطلق من لغة محلية وبيئة قروية إلى فضاء عالمي متى ما عبر بصدق وأدوات وتقنية سردية. عبّر الناقد محمد العباس عن تحفظه على إطلاق وصف روائي على من يكتب أعمالا غير ناضجة وسريعة ولا تأخذ الكتابة على محمل الجد. ويؤكد العباس أن الرواية السعودية لم تعبر عن البيئة بصدق. وأضاف: هناك من يرى أن النص مملكته التي لا يسمح لأحد بالدخول فيها إلا معجباً ومصفقاً، إلى جانب من يعتقد بأن النص قد خرج من عنده ولم يعد ملزماً بالتعليق عليه أو الإجابة على استفهامات وملاحظات القرّاء. ولفت العباس إلى أن كل ذلك يعني وجود حالة من الاستعلاء لدى بعض الكُتّاب مقرونة بشيء من عدم الاحترام لوعيهم وذائقتهم، مغفلين أن النص صناعة بشرية قابل للمجادلة ضمن هذا التصور. مشيرا إلى أن ميثاق القراءة يقوم على خلع وهم القداسة عن النص ومنتجه، مستعيدا المثل القديم الذي يقول (العبقرية لا تغطي سوى 10 في المئة من الإلهام، أما 90 في المئة المتبقية فمصدرها الجهد الفردي)، ما يعني أن الإشراق والإلهام اللذين يزعم بعض الأدباء وقوعهم تحت تأثيراتهما أثناء كتابة نصوصهم ليسا سوى استيهامات مدّبرة يُراد من خلالها تصعيد قدسية النص وفرادة الكاتب. ويرى الروائي عبدالعزيز الصقعبي أنه من خلال اطلاع بسيط على عدد من الروايات التي قرأها للاستمتاع وليس للنقد، وجد أن بعضها كان لكاتبها التجربة الكتابية والحياتية الجيدة، ما يعني أن علاقته ببيئته قوية، ويعي تماما ما يكتبه، إلا أن عدد هؤلاء الكتاب محدود، ولفت الصقعبي إلى أن الأكثرية علاقتهم ببيئتهم محدودة، أو أنهم يكتبون أعمالا هلامية المكان والزمان وتفتقد الهوية، مبديا أسفه أن أغلب كتاب الرواية من الجيل الجديد ليس في المملكة فحسب بل في الوطن العربي، لا تعبر أعمالهم عن عالمهم الذي يعيشونه، وحين يدرجون أسماء مدن أو أحياء، من السهولة استبدالها بأسماء مدن وأحياء أخرى دون أن تتأثر أحداث الرواية، موضحا أن بيئة المملكة ثرية، إلا أنها تحتاج قدرة خاصة للتعامل معها من خلال تقديمها للقارئ بصدق، والصدق ليس الإغراق بالمحلية الضيقة التي تجعل القارئ الآخر والذي لا يعرف البيئة السعودية يشعر بغرابة الأحداث، ويكون النص مغلقاً، بل تقديم البيئة التي تجعله يندمج معها، كما حدث لنا عند قراءتنا لأعمال ماركيز، مشيرا إلى أن كتابات عبدالعزيز مشري أنموذج جيد للتعبير عن البيئة بصدق وبالذات في الوسمية وصالحة. فيما اختار الروائي عمرو العامري أن ينحاز إلى (نعم) مؤكدا أن الرواية عبرت عن البيئة إلا أنه يجب أن نتفق أولا على مصطلح البيئة. (الطبوغرافية أو الجغرافية أو الثقافية أو الحياتية) وأضاف: روايات كثيرة لامست جزءا من هذه البيئة سواء بوعي أو دون وعي ومن مناح شتى. مستعيدا رجاء عالم التي لامست البيئة المكية في شقها الروحي أو الأسطوري ولم تلامس العوالم المكية بتداخلاتها وتنوعها وثرائها الكوني بالتنوع في عوالم لا حصر لها. وأضاف: عبده خال ظل يراوح بين الحارة والعوالم الجنوبية قليلا دون أن ينصف أيا منها ومازلنا بانتظار رواية «الهنداوية» التي قد تسجل لنا الحارة. ويحيى أم قاسم حاول القبض على عوالم أسطورية جنوبية إلا أن غناها وتنوعها جعلها عسيرة عليه رصدها في عمل واحد. وكذلك فعل محمد المزيني ويوسف المحيميد وأميمة الخميس كل في عوالم انتقائية. ويرى أن الكل حاول ولكن ما من رواية رصدت البيئة السعودية ولعل السبب هو تنوعها وغناها وتمايزها وبالتالي نحن بحاجة للحديث عن بيئات وليس بيئة واحدة.