الطموح الكبير الذي تعيشه المملكة الآن من خلال رؤية 2030 يماثل ما فعلته دول أخرى بعضها نجح وبعضها تعثر أو لم يصل إلى الغاية المرجوة. الدول التي نجحت في تحقيق رؤيتها كانت تعرف جيدا المفاتيح التي تقود إلى النجاح، ومن أهمها تشريح الواقع الذي يحتاج إلى إصلاح بشفافية متناهية وتحديد الأسس التي يقوم عليها الإصلاح الحقيقي ثم، وهذا هو الأهم، إعداد مجتمع يستطيع تحقيق الرؤية لأن الحكومات لا تستطيع تحقيق أي حلم مستقبلي لوحدها مهما كانت كفاءتها إذا لم تحضّر شعوبا قادرة على التماهي والتناغم معها ولديها الاستطاعة على مواجهة التحدي بتوفر القدرة والعزيمة والمقومات اللازمة للقفز باتجاه المستقبل، وبدون ذلك تبقى الأحلام مجرد أحلام تدغدغ الخيال ثم تتبخر مع الوقت. كل الدول التي حققت التحولات الكبرى وفق رؤية مستقبلية وبرنامج زمني محدد راهنت على شرط أساسي تأتي بعده بقية الشروط، ووضعت كل إمكاناتها لتحقيقه لأنها تيقنت أنه إذا تحقق سوف تتحقق بقية الأشياء تبعا له. التعليم ثم التعليم ثم التعليم. والأمثلة والشواهد عديدة، القديم منها والحديث. اليابان التي قررت أن تنهض من الدمار الذي أصابها وتثأر لنفسها بأن تكون نموذجا للتفوق لم تتخبط في مسارات عديدة بل أوفدت شبابها للدراسة في أفضل جامعات أمريكا وغيرها لأنها آمنت أن حلمها سيتحقق تلقائيا عندما يكون شبابها متفوق تعليميا. كوريا الجنوبية التي كانت قبل نصف قرن دولة متعثرة أصبحت في مقدمة الدول المتطورة لأنها راهنت على التعليم وأصبح لديها أحد أفضل أنظمة التعليم في العالم. فنلندا التي كانت دولة معزولة متواضعة استطاعت أن تصنع للعالم «نوكيا» وغيره من الصناعات المتطورة لأنها اشتغلت على تطوير التعليم وأصبح لديها أفضل نظام تعليمي. ماليزيا التي قفزت من قاع الفقر إلى قمة التقدم أصبحنا نبتعث طلابنا إليها لأنها أيضا آمنت بأن التعليم هو المفتاح السحري. الأمثلة كثيرة جدا، ويمكننا أيضا تذكر مقولة لأحد رؤساء أمريكا عندما أخبروه عن مؤشرات تدهور اقتصادي فقال فوراً: ابحثوا عن التعليم. نحن لدينا الآن رؤية للمستقبل لكن من سيحقق هذه الرؤية إذا لم يكن هناك جيل مستعد لتحقيقها، وكيف يكون مستعداً إذا لم يكن متوفرا على أفضل تعليم حتى يستطيع أن يرى هذه الرؤية ويستوعبها ويتحدى نفسه لتحقيقها بقدرات علمية متفوقة. تعليمنا إلى الآن هو أهم معوقاتنا وأكبر مشاكلنا وإذا استمر على ما هو عليه أو حتى بتحسن بطيء فلن أكون متشائما إذا توجست أن المدة ستطول لتحقيق أحلامنا المستقبلية. التحول الوطني يجب أن يكون تعليميا بالدرجة الأولى ومن خلاله ستتحقق كل التحولات الإيجابية، وإذا لم نركز على ذلك فإننا مثل الذي يهتم بالنوافل قبل الفروض.