أداة Google تنتج مدونات صوتية    ختام بطولة المنطقة الشرقية للملاكمة المؤهلة لنهائيات كأس المملكة    رسمياً .. العروبة يتعاقد مع "السومة"    14700 إصابة بجدري القردة في إفريقيا    تقديم الإغاثة لتخفيف معاناة الشعب السوري مطلب دولي    محاولات إخماد حرائق كاليفورنيا بنتائج منخفضة    زيلينسكي يبدي "استعداده" لتسليم بيونغ يانغ أسيري حرب كوريين شماليين    وزير الخارجية ووزيرة خارجية ألمانيا يبحثان تعزيز العلاقات الثنائية    أتلتيكو مدريد يفلت من فخ أوساسونا بهدف ألفاريز ويعتلي قمة الدوري الإسباني    نيوكاسل يهزم بروملي بثلاثية ويبلغ الدور الثالث من بطولة كأس الاتحاد الإنجليزي    «عسفان الخالدية» يُتوج بكأس الأمير سلطان بن عبدالعزيز للخيل العربية    انعقاد أعمال اجتماع الطاولة المستديرة الوزارية للرؤية السعودية اليابانية 2030 في الرياض    إطلاق المرحلة الثانية من البرنامج التأهيلي لمعلمات رياض الأطفال في الفنون الموسيقية    برعاية الملك.. انطلاق «مؤتمر الحج 2025» في جدة غداً    "الحج والعمرة" توقّع اتفاقية ترتيب شؤون حجاج دولة الكويت لحج 1446ه    الأحساء من أهم مناطق الحرف اليدوية    4659 زيارة منزلية للمرضى في 2024    بعد تحرير «ود مدني» والرواد.. الخرطوم الهدف القادم للجيش    وزير العدل يبحث مع المنسق المقيم للأمم المتحدة سبل تعزيز التعاون    جامعة الملك فهد للبترول والمعادن توقع 15 اتفاقية ومذكرة تفاهم    ضبط مواطن مخالف لنقله حطباً محلياً في منطقة المدينة المنورة    فتح التسجيل للممارسين الصحيين لحضور ملتقى نموذج الرعاية الصحية "رعاية وأثر"    أمير الشرقية يدشّن النسخة العاشرة من مهرجان تمور الأحساء المصنّعة    آل بن محفوظ يستقبلون المعزين في فقيدتهم    الطائي يتغلّب على أبها بهدفين في دوري يلو    80 شركة سعودية ويابانية في اجتماع مجلس الأعمال المشترك    مباحثات دفاعية سعودية - أميركية    أمير الرياض يؤدي صلاة الميت على والدة الأميرة فهدة بنت فهد بن خالد آل سعود    صالون ملتقى الأدباء ينظم أمسية شعرية على مسرح مانقروف بجدة    «هيئة هلال نجران» تتلقى 12963 بلاغاً خلال عام 2024    مركز القلب بمستشفى الملك فهد الجامعي يحقق إنجازًا في علاج أمراض القلب والرئة المعقدة    أمير الرياض ونائبه يعزي وزير السياحة في وفاة شقيقته    أمير الرياض يستقبل سفير كينيا المعين حديثًا لدى المملكة    استولوا على أكثر من 2.8 مليون ريال.. شرطة منطقة مكة تقبض على محتالي سبائك الذهب المزيّف    أمير الشرقية يطّلع على التقرير السنوي للهيئة العامة للولاية على أموال القاصرين    استشهاد وفقدان قرابة 5000 فلسطيني شمال قطاع غزة    زلزال بقوة 4.8 درجة يضرب وسط إثيوبيا    تجربة استثنائية لمشاهدة أسرار مكة والمدينة في مهرجان الخرج الأول للتمور والقهوة السعودية    المياه الوطنية تشرع في تنفيذ حزمة مشاريع لتطوير الخدمات البيئية بجدة ب42 مليون ريال    وزراء خارجية جمهورية العراق وتركيا يصلون إلى الرياض    جدل بين النساء والرجال والسبب.. نجاح الزوجة مالياً يغضب الأزواج    10 مليارات لتفعيل الحوافز المعيارية للصناعيين    أمير القصيم يشكر المجلي على تقرير الاستعراض الطوعي المحلي لمدينة بريدة    من بلاغة سورة الكهف    «الصخر الشاهد» .. رفع الوعي بالثروات الطبيعية    منع مرور الشاحنات من طريق السيل الكبير    برامج لذوي الإعاقة    لاعبو النصر: سنقاتل حتى آخر جولة    وصول الطائرة الإغاثية التاسعة مطار دمشق.. مركز الملك سلمان يواصل مساعداته الإنسانية للمناطق السورية    30 يومًا لهوية مقيم للخروج النهائي    يعود تاريخ صنعها إلى أكثر من 60 عامًا.. السيارات القديمة تثري فعاليات مهرجان «حرفة»    «مجيد».. ليلة من تفرد الغناء    ثنائية نوال ورابح صقر.. الطرب في أعماق جدة    «الغذاء والدواء»: احذروا «ببروني»    «اسلم وسلّم».. توعية سائقي الدرّاجات    الديوان الملكي: وفاة والدة صاحبة السمو الملكي الأميرة فهده بنت فهد بن خالد بن ناصر بن عبدالعزيز آل سعود    للمملكة أهداف أنبل وغايات أكبر    القائد الذي ألهمنا وأعاد لنا الثقة بأنفسنا    









ما الذي ينقصنا لمحاكاة النموذج السنغافوري تنموياً ؟
الدكتور محمد الكثيري يطلق تساؤلاً عبر مؤلفه (التحول نحو العالم الأول)
نشر في الرياض يوم 30 - 11 - 2010

يحاول الدكتور محمد الكثيري في كتابه (التحول نحو العالم الأول) البحث عن ممكنات الأخذ بمنتجات رؤية ثقافية وتنظيمية مغايرة تمنحنا القدرة على التواصل والتكيف مع تحديات واقع سريع التغير،وتضعنا إزاء تحولات نهضة باهرة باتت تنتظم قطاعاً اقليمياً محدداً بدأ من الصفر ليشكل في نهاية المطاف منظومة تجارب تنموية شديدة الخصوبة استدعت احتراماً وإعجاباً منقطع النظير،وهو الإعجاب ذاته الذي استثار ردة فعل المؤلف ليتساءل: كيف نعزز مشروعاً وطنياً ونهيئ له مسوغات نهوض شبيه بذلك الذي توفر لتجربة النمور الآسيوية..ومن سؤال الحلم ينتقل د.الكثيري إلى جدل التطبيق..إلى معوقاته ..الى تحدياته..ليقف على فكرة أن الأمر يتعدى مجرد التركيز على الأمنيات إلى ماهو أبعد وأعمق ..إلى إعادة صياغة الواقع التنظيمي والإداري والفكري،إلى تعزيز مرتكزات فلسفية اجتماعية وثقافية،إلى إطلاق منهج علمي يراهن على ثقافة التجديد والابتكار وحشد الخبرات المعمقة لتعزيز الكيفيات وإعادة تعريف المحددات الرئيسية لسؤال التحول..رحلة الكتاب ستضعنا أمام حقيقة مهمة وهي أن القفزات التنموية التي تمت لنمور آسيا لم تكن لتتحقق لولا أن توفرت لها شروطها الهيكلية ومقوماتها البنيوية والثقافية وهي التي يعكف د.الكثيري في هذا الحوار على استكناه حدودها واختبار جاهزيتها المحلية..
* سؤال التحول لا تجيب عنه الأمنيات..بل برنامج عمل يترافق مع حزمة من الشروط المتلازمة..ما المحددات التي حرَّضتْ الدكتور محمد الكثيري على طرح السؤال؟
بدأ اهتمامي بموضوع التحولات التنموية لدى الدول تحديداً في عام 1994م، كنت حينها أقوم بإعداد رسالة الدكتوراه والتي كانت في أحد موضوعات التخطيط والتطوير الاستراتيجي للشركات حيث التخصص، ولأن المتخصص في مثل هذا الموضوع يتطلب منه الاطلاع بل الإلمام بالأوضاع الاقتصادية والسياسية والقانونية والاجتماعية العامة إذ من الاستحالة ان تضع خططاً وبرامج إستراتيجية للشركات دون معرفة البيئة التي تعمل فيها تلك الشركات، ولأن موضوع دراستي كان حول تطور الشركات وتوسع أعمالها وانتقالها من مرحلة إلى أخرى فقد أرشدني أستاذي المشرف على رسالة الدكتوراه إلى قراءة كتاب بعنوان [كوريا الجنوبية .... العملاق الآسيوي القادم] وهو كتاب يتحدث عن الكثير من التحولات التنموية في ذلك البلد. منذ ذلك العام وبعد ان أنهيت دراستي لشهادة الدكتوراه وعدت للمملكة في عام 1997م وبحكم اهتماماتي الكتابية والبحثية أصبحت أُولي الجوانب التنموية والإصلاح الإداري وغيرها من الموضوعات ذات العلاقة اهتماماً انعكس على الكثير من كتاباتي الصحفية. إلا ان الأمر اخذ يتفاعل لدي كثيراً ويزداد حينما بدأ صاحب السمو الملكي الأمير خالد الفيصل الحديث عن موضوع التحول وذلك في عام 1430ه عندما تسلم إمارة منطقة مكة المكرمة ورفع حينها شعار التحول للعالم الأول. بدأت الأمر بمقال طرحت فيه السؤال وناقشت من خلاله مدى جاهزيتنا لذلك التحول، كان عنوان المقال والذي نشر في جريدة الرياض [خالد الفيصل ... هل نحن جاهزون؟]. استحسنت بعد ذلك الكتابة في الموضوع وواصلت الكتابة بمجموعة من المقالات ناقشت فيها شروط التحول ومرتكزاته واستعرضت تجارب بعض الدول، حتى تطور الأمر ورأيت ان تلك المقالات بالإمكان ان تتطور وتتسع مع السعي لدراسة الوضع الداخلي وقياس مدى جاهزية المملكة للتحول من خلال استشفاف رأي أهل الخبرة والاختصاص حيث كانت النتيجة كتاباً استعرض شروط التحول وتجارب الدول الأخرى وكذلك رأي نخبة من المثقفين والمهتمين والمختصين حول واقع المملكة في هذا المجال.
محرك بحث محفز
* تشكل تجربة النمور الآسيوية التي حققت مستويات نهضة غير مسبوقة محفزاً مستمراً لأحلام دول العالم الثالث للخروج من ضعف أدائها الاقتصادي والتردي المعيشي ورأيتَ فيها طريقاً سالكاً لإطلاق مشروع وطني يمكنه الاحتذاء بالتجارب التنموية المتحققة ضمن شروط ستة حددتَّها في كتابكم (التحول نحو العالم الاول)..فضلاً عن عناصر أربعة مشتركة أشرتم إليها في الفصل الأخير ..
نعم، إن تجربة بعض الدول الآسيوية وتحديداً سنغافورة وكوريا الجنوبية وماليزيا شكلت على المدى الطويل محرك بحث محفزاً للعديد من الدول التي راهنت على الانتقال من مرحلة تنمية إلى أخرى. وجسدت تحدياً نظراً للجهود التي قامت بها تلك الدول التي بدأت ترسم تحولاتها ابتداءً من الستينيات الميلادية أي منذ قرابة أربعين عاماً عملت لذلك التحول من خلال برامج وخطط استطاعت من خلالها ان تنتقل في فترة زمنية وجيزة إلى مراحل متقدمة في المسار التنموي لفتت من خلاله أنظار دول الشرق والغرب. الانتقال لم يأت هكذا اعتباطاً بل احتاج الكثير من الجهد والوقت والمتابعة والتخطيط. اما كون تحول تلك الدول يمثل محفزاً للدول الأخرى، فذلك لأن دول الشرق تلك لم تكن تملك من الإمكانات ما يجعلها في وضع أفضل من غيرها بل على العكس ان ما يتوافر لتلك الدول من إمكانات مادية وطبيعية كان ضعيفاً جداً مقارنة بغيرها من الدول التي تمتلك من الإمكانات ما يجعلها مؤهلة إلى قفزات تنموية هائلة لو أحسنت استغلال تلك الإمكانات ووضعت البرامج الصحيحة، ولك ان تتخيل ان دخل المواطن الياباني، كواحد من معايير التنمية، كان في 1960 يعادل دخل المواطن في جنوب أفريقيا وتشيلي اما في كوريا الجنوبية فإن دخل المواطن هناك في ذلك العام كان أقل من نصف دخل المواطن في غانا والهندوراس كما يشير إلى ذلك الأستاذ ها جون شانق في كتابه الصادر عام 2006م تحت عنوان (تجربة التنمية في شرق آسيا)
ركزنا جهدنا على الحيتان الضخمة واللصوص الكبار
* جسدت سنغافورة على المدى البعيد إلهاماً مستمراً لدول شرق آسيا كما هو الحال لماليزيا وغيرها..في قراءتك لاتجاهات التطور ما الذي جعل التجربة السنغافورية موضع اعجاب كبير حتى على مستوى بقية النمور ..وهل ستبقى في نظركم أنموذجاً للمشاريع الوطنية الآخذة في النهوض والحالمة باكتساب التقنية العالية والصناعات التصديرية كثيفة المعرفة؟
بالتأكيد جزيرة صغيرة لا تعادل مساحتها مساحة واحد من أحياء الرياض تتقاذفها أمواج الاستعمار والنزاعات الداخلية وخلافات الجوار استطاعت خلال فترة وجيزة ان تحقق تلك الانجازات الهائلة لدرجة أصبح يقام بها اكبر منصات النفط ومؤسسات المال وغيرها. ان سنغافورة، شأنها في ذلك شأن الكثير من الدول الآسيوية، تمثل أنموذجاً واضحاً بل حالة دراسية تنموية جمعت كل الشروط والعناصر المطلوبة للتحول التنموي من وضوح الرؤية ووجود المؤسسات والأجهزة القادرة على تحويل تلك الرؤية إلى واقع وإيجاد العنصر البشري المؤهل والقادر على لعب الدور المطلوب منه إضافة إلى توفر عناصر الشفافية والمساءلة ومساهمات القطاع الخاص ودوره التنموي وكذلك العمل الجاد لتغير ثقافة المجتمع السنغافوري كي يكون قادراً على مجاراة والتكيف بل والدفع ببرامج التنمية وخططها. ستجد في الكتاب إضاءات مهمة لرائد التحول السنغافوري الكبير وقائدها السيد لي كوان يو وهو يقيِّم تجربة العملاق الآسيوي [الحث والإقناع لا يكفيان وحدهما. كنا بحاجة إلى مؤسسات حسنة التنظيم، مؤهلة الكوادر جيدة الإدارة والتوجيه، لمتابعة وتطبيق ما نلقيه من خطب تحث وتثير وتنصح] ويلفت الانتباه [قررنا تركيز جهدنا على الحيتان الضخمة واللصوص الكبار، ووجهنا مكتب التحقيق تبعاً لأولوياتنا، كما شرعنا بالنسبة للأسماك الصغيرة بتبسيط الإجراءات وإلغاء الممارسات السرية عبر الإعلان عن خطط إرشادية واضحة وجلية] ويستذكر [التأقلم مع الوضع الجديد كان أمراً صعباً لكن يتعذر اجتنابه، ونجمت عنه أحياناً مفارقات كوميدية، بل حتى عبثية، إذ لم يتحمل بعض مربي الخنازير فراق حيواناتهم، فحملوها معهم إلى شققهم في المباني العالية، وشوهد العديد منهم وهم يحاولون « إقناع» خنازيرهم بصعود السلالم..]... وهكذا في ومضات متواصلة ستكتشف حجم التحول الهائل،وكيف تسنى لهم تهيئة وتحضير العنصر البشري وهي الخطوة الأهم للتناغم مع الكيفيات المادية الجديدة والتعزيزات الهيكلية الفائقة،كانت الجرعة كبيرة لدرجة أن هضمها وتمثيلها احتاجا جهدا كبيرا لدرجة أنهم لم يتخلوا عن زراعة خضرواتهم حول أبنية بيوتهم العالية، وهو الأمر الذي كانوا يفعلونه في قراهم وحول أكواخهم. بل ان العديد من الصينيين والملاويين والهنود ظلوا لفترات يصعدون السلالم على الأقدام، بدلاً من المصعد، لا حباً في الرشاقة، بل خوفاً من المصاعد. واستمر الكثير منهم في استخدام فوانيس الكيروسين بدل مصابيح الكهرباء لقد عانوا جميعاً من الصدمة الحضارية..
شروط التحول ليست حاضرةً
* الاستبانة التي عكف عليها سبعون فردا من أهل الخبرة والاختصاص والثقافة لاختبار مدى توافر العناصر الستة (الرؤية،المؤسساتية،صناعة الإنسان،الشفافية،تنموية القطاع الخاص،الثقافة المجتمعة)التي اشرتم إليها باعتبارها متطلبات التحول ..كيف تقرأون مخرجاتها على ضوء فكرة الجاهزية؟
هي انعكاس للواقع، يكاد يكون هناك اجماع على توفر الإمكانات للانتقال لمصاف دول العالم المتقدم ولكن سعينا لاستغلال تلك الإمكانات وتوفير شروط التحول ليس حاضراً بعد، يشير بعض أولئك المثقفين والمختصين إلى تجارب هنا وهناك ومحاولات مبعثرة ولكنها لا ترتقي إلى كونها مشروعاً أو برنامج عمل واضحاً ومحدداً ومشتملاً على عناصر التحول الستة التي استعرضها الكتاب. ان إجابات أولئك المشاركين في الاستبانة تبين انه ما زال هناك مسافة بين الواقع والتطلعات وأن أمر التحول والانتقال إلى درجة متقدمة في سلم التنمية يتجاوز كونه رغبات وأماني إلى كونه ركائز مشروع متكامل الأركان لابد من العمل على توفيرها والسعي على تماسكها واندماجها مع بعضها البعض كي نستطيع القول إننا وضعنا أرجلنا على الدرجة الأولى من سلم التحول التنموي.
ثقافة العمل والإنتاج والانضباط
* أسفتَ في كتابك للنتيجة «المخيبة جداً للآمال» -كما وصفتها - التي آلت إليها إجابات الخبراء المشاركين في الاستبانة عن مدى اتفاقهم على وجود ثقافة اجتماعية قادرة على استيعاب شروط التحول..وهذه النقطة بالذات أراها تنطوي على تعقيد شديد..كيف ترى السبيل لعبور هذا العائق ؟
هذا أمر مهم ولابد من أخذه مأخذ الجد عند الحديث عن التنمية. ان ثقافة المجتمع وسلوكه ونظرته أمور هامة قد تساعد وقد تعيق السير في مسارات التنمية. ان دول شرق آسيا على سبيل المثال قد تبنت برامج واضحة ومحددة لتغيير ثقافة وسلوكيات مواطنيها للتعامل مع معطيات التنمية، فثقافة العمل والإنتاج والانضباط بل والنزاهة والأمانة كلها أمور مهمة عملت تلك الدول على زرعها في مواطنيها حتى أصبحت سلوكاً يومياً في تعاملاتهم وإنتاجيتهم، واسمح لي أن أروي لك قصة طريفة ولكنها معبرة عن مدى دور الثقافة المجتمعية في تطوير البلاد وتنميتها حيث يروى أن هناك مديراً غربياً يعمل في اليابان حاول مكافأة أحد الموظفين اليابانيين نتيجة حسن أدائه وإنتاجيته فمنحه إجازة لمدة يوم واحد وطلب منه عدم الحضور في اليوم التالي، خرج ذلك الموظف حزيناً غير مستسيغ لقرار المدير ومستغرباً لماذا يعاقبه ذلك المدير. في اليوم الثاني خرج ذلك الموظف من بيته في الصباح الباكر وأخذ القطار كعادته مع زملائه، دون أن يخبر زملاءه أو أسرته بقرار المدير، وحينما وصل إلى مقر عمله اتجه إلى أحد المقاهي المجاورة للشركة وظل يعمل مستخدماً حاسوبه الشخصي حتى انتهاء الدوام ليعود إلى بيته مثل بقية الأيام الأخرى دون أن يعلم بأمره أحد، حيث ان ثقافة المجتمع جعلته يتعامل مع قرار المدير ذلك وكأنه عقاب له. تخيل لو حصل ذلك في إحدى شركاتنا أو أجهزتنا الحكومية كيف سيحتفل ذلك الموظف بذلك القرار ويخبر به أهل بيته وجيرانه، بل قارن ذلك مع ثقافتنا الإدارية التي تجعل الكذب على المدير وخلق الأعذار للهروب والتغيب عن العمل إنجازاً وذكاء لا يجاريه أمر، بل لاحظ ما يحدث مع بداية كل فصل دراسي من إشاعات واستبشارات حول تأجيل الدراسة أسبوعا أو أسبوعين. ولتأكيد دور الثقافة دعني أكرر ما أوردته في الكتاب والذي جاء على لسان السيد عبدالكلام الرئيس الهندي السابق والذي يروي موقفاً لأحد المسؤولين الهنود والذي كان في مهمة في اليابان، حيث حدث عطل في صنبور الماء في حمام غرفته في الفندق، ما سبب له إزعاجاً ذلك المساء، اضطر معه إلى الاتصال بمسؤولي الفندق، حيث جاءه شابان قاما بإصلاح العطل، وبعد أن أخبراه بقرار الإدارة إعفاءه من رسوم ذلك المساء، رفع أحدهما القطعة التي أصابها العطل ليؤكد له أن هذه القطعة مستوردة وغير مصنوعة في اليابان، ويعلق عبد الكلام على هذه الحادثة بأنها دلالة على اعتزاز اليابانيين بوطنهم وقدرته وكفاءته، وهو أمر لو تحقق في الهند - حسب رأي السيد عبد الكلام - لاستطاعت أن تصل إلى مراتب متقدمة بوقت أسرع مما هو متوقع.
جزر متطورة في بحر من التخلف الإداري والمالي
* ثمة ملاحظة مهمة طرحها سمو الأمير خالد الفيصل في مقاله عن الجاهزية وعرضتَها في كتابكم إذ ألمح إلى وجود حزمة من الجزر المتطورة في بحر من التخلف الإداري والمالي ك « أرامكو الجبيل وينبع المدن العسكرية الحي الدبلوماسي بجاهزيتها التنظيمية وخدماتها المتطورة وكفاءتها الإدارية... هل يمكن ان تتحول هذه الجزر المعرفية إلى نواة تنموية،إلى مرتكز انطلاق حقيقي في نظركم؟
نعم ان بعض المؤسسات والهيئات والأجهزة التي ذكرها الأمير خالد الفيصل تؤكد ما ذهبت إليه في الكتاب من ان التنمية والرفع من مستوى الإدارة أمر ممكن متى توفرت الشروط المطلوبة لذلك، ولكن هذه الجزر كما وصفها الأمير تظل محدودة وفي نطاق ضيق، ولكن حينما تنظر إلى الوضع بصورة اشمل أو على المستوى الوطني فإن الحالة تصبح أكثر تعقيداً ولكنها غير مستحلية.
* وماذا عن التحولات التنظيمية والهيكلية العميقة التي تنتظم في البلاد ؟
هي غراس جميلة في منظومة التنمية حيث تم إنشاء الكثير من المؤسسات وتبني البرامج والمشروعات مثل هيئة النزاهة ومكافحة الفساد والجامعات الجديدة ودعم وتطوير الجامعات القائمة وتبنيها برامج في التقنية واقتصاد المعرفة وكذلك برامج الابتعاث وهذه كلها جهود جميلة ستنعكس إيجابا على مشروعنا التنموي، ولكنها لابد ان تكون ضمن منظومة تنموية متكاملة بحيث تتوفر لها الرؤية الشاملة التي تدفع بها إلى اتجاه مشترك وتتحقق لها ومن خلالها بقية العناصر الأخرى أو الشروط الأخرى المطلوبة والضرورية للتحول. مثل ماقلت لك، التحول مشروع شمولي له مرتكزاته التي لابد أن تتناسق وتتناغم مع بعضها البعض، وتوفر بعض أجزاء ذلك المشروع لن يكون كفيلا بتحقيق الهدف الأسمى للمشروع.
برامج وخطط العمل تختزل الشروط
* القفزات الاقتصادية التي تحققت لنمور آسيا كانت في جميع أبعادها عملية تراكمية معقدة لحزمة من التجارب التي اقتضت تحولات زمنية طويلة ..سأُعيد عليكم سؤالكم الذي طرحتموه :هل بالإمكان اختزال شروط التحول ومتطلباته في عناصر محددة وصفحات معدودة؟
نعم ، إذا كان الهدف هو استعراض شروط التحول وعناصره بصورة شاملة بحيث تتحول تلك العناصر إلى برامج وخطط عمل فإنه بالإمكان اختزال الشروط بهذه الطريقة. ان الكتاب يقدم خارطة طريق شاملة لعناصر التحول الأساسية وهذه العناصر الستة التي ناقشها الكتاب تشتمل على جزئيات وتفرعات لا تخرج في مجملها عن الشرط الأساسي. ولكن ما أريد تأكيده ان شروط التحول في مجملها لا تخرج عن هذه الشروط الستة شريطة وجود التكامل والانسجام بين تلك الشروط ، ان ما طرحته في الكتاب هو عبارة عن منتج منهجي مختصر لموضوع مهم وكبير حاولت من خلاله أن أقول ان التحول التنموي لا يقوم على الأماني والرغبات فقط ولكنه مشروع يحتاج الكثير من الجهد والعناء المسبوق بالتخطيط والإرادة القوية .. (اللي يبي الطولات يتعب ركابه).
المؤلف في سطور:.
الدكتور محمد بن حمد الكثيري يعمل وكيلا لوزارة التجارة والصناعة للشئون الفنية، وهو حاصل على درجتي البكالوريوس والماجستير في إدارة الأعمال من جامعتي الملك سعود وأوتاوا في كندا، وكذلك الدكتوراه من كلية إدارة الأعمال بجامعة مانشستر – المملكة المتحدة، تخصص تخطيط وتطوير إستراتيجي، عمل أمينا عاماً لمنتدى الرياض الاقتصادي التابع للغرفة التجارية الصناعية وكذلك أستاذاً للإدارة الإستراتيجية في قسم إدارة الأعمال بجامعة الملك سعود.
كما عمل مديراً عاماً لإحدى شركات القطاع الخاص، وعمل مستشاراً أيضاً لبعض الشركات في مجال التخطيط الإستراتيجي وتطوير الشركات، وقد مارس العمل الصحفي، ومازال يمارس الكتابة في بعض الصحف والمطبوعات المحلية، وقام بنشر بعض البحوث والدراسات في مجال الإدارة والتخطيط الإستراتيجي.
* أمين عام منتدى الرياض الاقتصادي


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.