عندما بدأت «عاصفة الحزم» غاراتها الأولى على معاقل الحوثيين، شهر مارس 2015، لم تكن تلك الضربات إلا نتيجة لسنوات من احتكاك خشن قامت به الميليشيا الحوثية ضد السعودية، كانوا فيها مقاولين بالباطن لقوى إقليمية ودولية سعت لزعزعة استقرار المملكة، وتحويل حدوده الجنوبية إلى خاصرة نازفة، يمكن من خلالها التأثير على القرار السياسي والسيادي للسعودية. لقد استخدمت المملكة سياستها المتأنية والصبر الذي تنوء به الجبال، مفضلة التعامل مع الحوثيين من خلال الحكومات اليمنية القائمة، إلا أن الخلاف تصاعد بشكل خطير بدءا من 2009، وهي السنة التي خاضت فيها المملكة حربها الأولى ضد الحوثيين. ومنذ الإعلان عن «العاصفة»، أكدت السعودية أنها تقوم بتلك الحرب استجابة لدعوة الحكومة اليمنية الشرعية، التي هدد الانقلاب ضدها بتغيير الخريطة السياسية في اليمن، وهو ما كان سينعكس بالتأكيد على المملكة، الحذرة جدا من وجود جيب رخو ملامس لحدودها الجنوبية، تستطيع إيران وغيرها من القوى المعادية في الإقليم استخدامه بضراوة. السعودية أكدت أن خصومتها مع الحوثيين فقط، كميليشيا غير منضبطة استولت على أسلحة صاروخية وطائرات، تستطيع استخدامها في قصف المدن السعودية، وهو ما حدث بالفعل لاحقا باستخدام الصواريخ البالستية، التي أسقطت جميعا قبل وصولها لمدن المملكة. تلك الخصومة مع الحوثيين بقيت في السياسة، حتى حولها الحوثيون لخلاف عسكري، وحرصت معه المملكة أن لا تتعداه نحو مكونات الشعب اليمني الأخرى، بما فيها الطائفة الزيدية الكريمة، التي حاول الحوثيون اختطافها، كما اختطفوا القرار السياسي في اليمن. يمثل الزيديون نحو 25% من سكان اليمن البالغ عددهم 26 مليون نسمة حسب إحصاءات العام 2015، ويعتبر الحوثيون فريقا صغيرا ضمن المذهب، لكنه اختار أن يكون أكثر غلوا في نظرته الفقهية والسياسية، وتخلى عن تقاليده الزيدية المسالمة، محاولا في الوقت نفسه الاستئثار بقيادة الطائفة، إثر الفراغ السياسي والاجتماعي العميق الذي أحدثه خروج الملوك والأمراء من بيت حميد الدين منتصف الستينات الميلادية. ورجوعا للفكر الزيدي فهو حسب التعريفات المنتشرة، أحد أقرب المذاهب الإسلامية لأهل السنة، بما يحمله من مبادئ وأسس، إضافة لتأثره بالمذهب الحنفي، وينسب المذهب إلى الإمام زيد بن الإمام زين العابدين علي بن الحسين بن الإمام علي بن أبي طالب. إذن لم تكن السعودية في وارد اقتلاع الطائفة الزيدية، ولا حتى الحوثيين الذين تبنوا الفقه السياسي الإيراني المعادي للعروبة، بل كان الهدف أولا حصر أضرار التمرد الحوثي الذي وجه بإدانة دولية واسعة في حدوده الدنيا، وإعادة الشرعية المتمثلة في الحكومة القائمة المعترف بها، إضافة لنزع أسلحته الخطيرة، فلا يمكن لدولة عاقلة أن تقبل وجود ميليشيا عسكرية على تماس مع حدودها وتمتلك أسلحة جيوش نظامية. أخيرا يخطئ من يعتقد أن في السياسة كراهية وعداء للأبد، وكل الحروب أدت في نهاية الأمر لتفاهمات ومفاوضات عجز أحد الأطراف عن استيعابها بالسياسة، وهو ما يحدث اليوم على طاولة المفاوضات الكويتية بين الشرعية والتمرد اليمنيين.