أحالت شرطة جدة ملف المتهم بذابح الطفل النيجيري إلى هيئة التحقيق والادعاء العام لكشف غموض الحادثة الغريبة التي هزت مجتمع جدة ليل الاثنين الماضي. وكشفت الفحوصات الطبية والشرعية التي أجريت على جثة الضحية عدم تعرضه لأي اعتداء قبل مقتله، غير أن تقارير ألمحت إلى أن الجاني يعاني من عارض نفسي وعصبي بسبب إدمانه المخدرات، خصوصا أن التحريات أشارت إلى عدم معرفته بضحيته أو أي من أسرته فضلا عن أنه لم يخطط لجريمته. يذكر أن القاتل البالغ من العمر 30 عاما استدرج الطفل الصغير (ست سنوات) أثناء تسوله في حي المحمدية إلى منطقة خليج سلمان وأجهز عليه ثم ترك جثته وتوارى عن الأنظار، لكن الأجهزة الأمنية في جدة نجحت في التعرف عليه بعد متابعات دقيقة استمرت لنحو 10 أيام. وأجرى ضباط البحث والتحري في مركز شرطة السلامة عمليات بحث واستقصاء واسعة، ونجحت الفرقة في تحديد موقع المتهم وحصلت على معلومات عن وجوده داخل سيارة موجودة وسط أحد الأحياء، واستطاع الفريق البحثي حصر وتحديد المركبات كافة التي تطابقت أوصافها مع المعلومات وتوصلت إلى مشتبه تدور حوله الاتهامات وعليه سوابق جنائية وإدمان، ليتم ضبطه وإسقاطه وسجل اعترافات تفصيلية بفعلته، أشار فيها إلى عدم تخطيطه للجريمة، وأنه استدرج المتسول الصغير من حي المحمدية وأركبه في سيارته إلى منطقة معزولة في شمال جدة وأجهز عليه بسكين فاصلا رأسه عن جسده. استشاري نفسي ل «عكاظ»: الجاني يعاني من انفصام ضلالي اعتبر الاستشاري النفسي الدكتور محمد شاووش ما أقدم عليه ذابح الطفل عملا غريبا ومستهجنا، ما يشير إلى أنه يعاني من انفصام ضلالي أو اضطراب عصبي حاد. وقد أكد تعاطيه وإدمانه للمخدرات هذه الفرضية. مشيرا إلى أن مريض الفصام يفقد القدرة والسيطرة على نفسه ولا يعرف التبعات القانونية والاجتماعية والشرعية لتصرفاته. وأضاف الدكتور شاووش أن متعاطي المخدرات قد يسمع أصواتا غير موجودة في الواقع بل هلاوس سمعية قد تدفعه للتخلص من شخص معين. الخضير: أدخلوهم في المصحّات النفسية نبهت جريمة القتل المروعة التي تعرض لها الطفل إلى خطورة بعض المرضى النفسيين. وكانت دراسات حديثة لاستشاري الطب النفسي الدكتور إبراهيم الخضير أشارت إلى وجود أمراض أكثر انتشارا وأكثر خطورة، مثل مرض الاكتئاب، الذي يعاني منه تقريباً 6-9% من الرجال، و12-15% من النساء، حسب الإحصائيات العالمية. وأوضح الخضير في دراسته عن مخاطر مرض الفصام الذي ينتشر بنسبة 1% بين السكان، ويعتبر واحدا من أكثر الأمراض العقلية خطورة، الأمر الذي يستلزم حجز من يعانون منه في المستشفيات النفسية والعصبية، خصوصا أنه قد تحدث لهم نوبات ورغبة في الاعتداء على الآخرين، وضرب مثلا بعدة حوادث مماثلة. وأوضح الدكتور الخضير أن الإعلان عن إنشاء ستة مستشفيات نفسية يدل على اهتمام الجهات المعنية بضرورة رعاية المرضى وعلاجهم. قانوني: أرجح إصابته بالجنون المطبق والمتقطع المحامي والمستشار القانوني رامي الشريف أوضح أن الشرع اعتبر الإنسان مكلفا ومسؤولا جنائيا إذا كان مدركا مختارا، فإذا انعدم أحد العنصرين ارتفع التكليف عن الإنسان، ومعنى الإدراك في المكلف أن يكون متمتعا بقواه العقلية، فإن فقد عقله لعاهة أو أمر عارض أو جنون فهو فاقد الإدراك، وفقدان القوى العقلية قد يكون تاما ومستمرا ويسمونه جنونا مطبقا، وقد يكون تاما وغير مستمر ويسمونه جنونا متقطعا، وقد يكون جزئيا فيفقد الإنسان قدرة الإدراك في موضوع بعينه، ولكنه يظل متمتعا بالإدراك في ما عداه، وهذا ما يسمونه بالجنون الجزئي. وقد لا تفقد القوى العقلية تماما، ولكنها تضعف ضعفا غير عادي، فلا ينعدم الإدراك كلية، ولا يصل في قوته إلى درجة الإدراك العادي للأشخاص الراشدين، وهذا ما يسمونه بالعته أو البله. وأضاف الشريف أن هناك مظاهر أخرى لفقدان القوى العقلية اصطلح على تسميتها بأسماء معينة، ولكنها تقوم جميعا على أساس واحد هو انعدام الإدراك في الإنسان، وحكم هذه الحالات جميعا واحد على تعدد مظاهرها واختلاف مسمياتها، وهو أن المسؤولية الجنائية تنعدم كلما انعدم الإدراك، فإذا لم ينعدم فالمسؤولية قائمة.