في كل أسبوع تستضيف «عكاظ» مغردا شهيرا في «تويتر» وتجلسه على منصة المواجهة ثم ترشقه بالأسئلة المضادة والمشاكسة.. هو حوار ساخن هنا كل يوم ثلاثاء، وضيفنا هذا الأسبوع هو الدكتور تركي الحمد المفكر السياسي والروائي صاحب الثلاثية الشهيرة «أطياف الأزقة المهجورة».. فإلى نص الحوار: • تغريداتك في تويتر هي الأفكار نفسها التي تحدثت عنها في أطروحاتك خلال 30 عاما وقد تزيد.. ألم يكف كل هذا الوقت لتتغير الأمور؟ كم نحتاج من الوقت للتغيير؟ •• صدقت هي الأفكار نفسها التي كنت وما زلت أطرحها في ظل الصحوة وبعد أن تكشفت سوأتها، ولكن المشكلة تقبع في وجود مؤسسات تقف في طريق التغيير دفاعا عن وجودها لا عن قناعة فكرية مخالفة. التغيير لا يأتي من الفكرة فقط، ولكن مع وجود إرادة التغيير، فالفكرة بذرة تحتاج إلى عوامل أخرى كي تنمو. أما التغيير فلابد أن يبدأ، فالظروف تفرضه، ولكن خشيتي أن يكون بعد فوات الأوان، وهنا يطرح سؤال وجودي كبير: هل تحكمنا الظروف في النهاية فنسيرها وفق غاياتنا، أم تتحكم بنا الظروف فنصبح تحت رحمتها بالكامل؟ إجابة هذا السؤال هي من يحدد مصيرنا. الانسدادات التاريخية • قلت قبل أيام في حسابك في «تويتر»: «أقرأ اليوم وللمرة الثالثة رائعة رضوى عاشور «ثلاثية غرناطة».. وأتعجب: ماذا جرى لنا؟ كيف انتهى بنا الحال إلى هذا التخلف؟.. الصدأ يتحكم بعقولنا». أي صدأ هذا؟ وكيف يمكن إزالته؟ •• الصدأ يتمثل في ما أسماه هاشم صالح «الانسدادات التاريخية»، أي في سيادة الدوغما أو الفكرة الجامدة التي لا تنتمي لظرفنا الزماني والمكاني، فتتحكم بطريقة تفكيرنا ومسيرة المجتمع فنصطدم بكل عائق يمنعنا من التحرك بحرية وانسيابية نحو المستقبل. الصدأ يتمثل في تحكم مؤسسات وأشخاص في كل حركة من حركات حياتنا وهم لا ينتمون للعصر الذي وجدنا أنفسنا فيه بل يتنفسون لحظة زمنية درست ولن تعود، مثل شخص ينفخ الروح في جسد ميت. الصدأ يتمثل في هذه الشيزوفرينيا القاتلة التي نعيشها: فنحن أبناء عصر معين نعيشه ولكننا نفكر وفق آليات فكر عصر أصبح من التاريخ ليس إلا، فلا نسترد الماضي، وهل يعود الميت إلى الحياة، ولا نعيش العصر بكل صخبه وإنتاجه وفكره. الأسلحة المتاحة • كنت في السابق تضرب في الواجهة وتقول ما عندك دون مواربة.. لكن في الفترة الأخيرة يأتي كثير من تغريداتك (مشفرا).. هل تخاف من التقاضي؟ أم تخشى أن يصبح اسمك في (وسم) مسيء كما فعلوا معك سابقا؟ •• يجب أن أحمي نفسي يا صاحبي فهذا من حقي، فلدي ما أحبه وأحاول الحفاظ عليه، خاصة وأنت تتعامل مع أشخاص ومؤسسات يستخدمون كل الأسلحة المتاحة حتى الضرب تحت الحزام. وعلى رأيك لي أكثر من 30 عاما وأنا أطرح نفس الفكر وهو متاح لمن يريد. نعم أنا لا أخشى في الله لومة لائم، ولكن هناك من لا يخشى الله في فجوره في الخصومة، رغم أنه يتحدث باسم الدين وقيم الدين وهي منه براء. خطاب التكفير • تقول: «يهللون لدخول فلبيني الإسلام.. ويزغردون لإخراج مسلم من دينه.. مفارقة لا أدري كيف أحلها..». من هم هؤلاء؟ هل تقصد أسماء بعينها أم أنك تتحدث عن حالة ثقافية؟ وإذا كان الأمر كذلك فكيف يمكن تفكيكها ونقضها ثم بناؤها من جديد؟ ومن يقوم بالمهمة؟ •• أتكلم عن حالة ثقافية عامة فالأشخاص لا يهمونني كثيرا، فبقدر ما أنهم منتجون لخطاب التكفير، أو معيدون لإنتاجه، فهم ضحايا هذا الخطاب الثقافي السائد وهم لا يشعرون، أو على رأي كمال الشناوي في فيلم الكرنك إذ يقوم بدور رئيس جهاز مخابرات ويسهم في تعذيب المعتقلين، وعندما زال منصبه واعتقل أخذ يصرخ في وجوه ضحاياه السابقين: كلنا ضحايا.. كلنا مجرمون. وإن أردت أن تعرف أسماء، فانظر حولك في تويتر، والعدد في الليمون كما يقول المصريون. وتفكيكها يأتي من عدة زوايا، منه الآني عن طريق قانون يجرم التكفير والتخوين، ومنه طويل الأجل عن طريق نظام تعليمي معاصر يركز على علوم العصر وثقافة العصر، والتنوير عن طريق خطاب اجتماعي وثقافي يركز على قيم بعينها تدور حول الإنسان وقيمته وحقوقه، ولكن كل ذلك يستلزم إرادة سياسية كي تبدأ العجلة في الدوران. الدستور العالمي • تقول: «بحور من التخلف تفصلنا عن عالم الإنسان.. في الغرب يعترفون بالإنسان رغم المثالب.. في شرقنا الإنسان مفهوم غير معترف به..». ها أنت تطرح الغرب للمرة الألف.. هل تقصد أن يكون الغرب هو النموذج الذي يجب أن نحتذيه ونصل إليه؟ •• ولماذا لا يكون غرب اليوم نموذجا؟ الحضارة الغربية اليوم هي حضارة كل العالم. هي الحضارة التي أسست للعلم الحديث، وغزت الفضاء، وقدمت المعجزات في الطب وأنقذت الكثير من الأرواح. وهي التي قدمت الديموقراطية وجعلت من حقوق الإنسان دستورا عالميا. نعم كان لها جوانب سلبية كأي حضارة أخرى، ولكن المنجزات أكثر من السلبيات، وهي حضارة لها آليات قادرة على تصحيح المسار ونفي السلبيات. وفي المقابل، ما هي مساهمتنا في هذا العصر وما هي إنجازاتنا الحضارية؟ ما هو البديل الذي نقدمه لهذه الحضارة؟ أهو داعش أم القاعدة أم خطاب العنف والتطرف؟ أم هي تلك النظريات «العلمية» التي ترى بأن قيادة المرأة للسيارة مؤذية لمبايضها، وأن الأرض لا تدور وإلا ما وصلت طائرة للصين، وغيرها من «إنجازات» علمية. أم هو ذاك الخطاب الذي يحتقر المرأة ولا يقيم وزنا للإنسان لأنه لا يعترف بالانسان. نعم ماذا قدمنا من إنجازات حضارية في العالم المعاصر، كل ما نحن قادرون عليه هو القول بأننا كنا، ولكن كنا فعل ماض ولى وانتهى. الحضارة الغربية المعاصرة هي التي تقدم لنا الطعام واللباس والدواء اليوم، وهي التي تستخرج ثرواتنا وتكتشفها، نعم لصالحها، ولكن لولاها لبقيت كامنة في أرضنا لا نعلم عنها شيئا. نعم الغرب قدوة في يومنا الحاضر، ومن لا يقتدي به فإنه من الغافلين. • في 22 مارس غردت قائلا: «ربما كانت داعش نبتة تآمرية، أمريكية روسية إيرانية لا يهم، المهم لنفعل ما نحن قادرون عليه: قطع جذورها لدينا، وحينها لن تجد المؤامرة ساحة لها..». كلام جميل، لكن السؤال كيف يمكن فعل ذلك في مجتمع متعصب؟ ما هي الخطوات؟ ومن أين نبدأ؟ •• أظن الجواب الرابع فيه الرد على هذا السؤال. • قلت عن تفجيرات بروكسل: «الرايات إسلامية.. والسلوكيات تلمودية.. من سرق الإسلام واختطف الجامع.. بالإذن من الصادق النيهوم رحمه الله.». ألا ترى نفسك تتناقض هنا مع تغريدتك في السؤال السابق أن داعش ربما تكون نبتة تآمرية خاصة أن التحليلات أثبتت أن مؤيدي هاشتاق #غزوة_بروكسل أكثرهم من أمريكا؟ •• قلت ربما بمعنى بغض النظر عن كل ما يقال فإن الجذور الفكرية لداعش وأسلافها وأخواتها موجودة لدينا، فلنقتلع هذه الجذور وحينها سيتوقف الكلام المباح وغير المباح، وتموت المؤامرة في مهدها، إن كانت هنالك مؤامرة، فالجسم السليم لا تغزوه الجراثيم. الدين والسياسة • «أعطني داعية كالسميط، وشيخا مثل محمد عبده، وباحثا مثل أركون، وأديبا مثل طه حسين، وعالما مثل زويل، وعالمة مثل المطيري، وأنا أضمن لك خلافة ليست كالخلافة». هكذا قلت مؤخرا، وأسألك: هل كل مشكلتنا اليوم في العالم العربي والإسلامي بكل هذه الدماء التي تسيل بغزارة هي الخلافة؟ كيف يمكن أن نخرج السياسة من الدين والدين من السياسة دون دماء؟ •• الخلافة تعبير عن امتزاج ما لا يمتزج، واختلاط ما لا يختلط، أي الدين والسياسة، فالدين مبادئ مطلقة والسياسة ممارسة عملية تفصيلية لتحقيق مصلحة الجماعة، ولذلك فهما برزخان لا يلتقيان، وإن التقيا فهي الدماء وضياع هوية كل برزخ منهما. الإقناع بمثل هذا الأمر قد لا يكون مجديا وخاصة في مجتمع مثل مجتمعنا، اختلط فيه البرزخان بفضل صحوة هي الكبوة عينها، مع أن المسألة لم تكن كذلك من قبل، فقد كان لكل مجاله. الخروج من هذا المأزق لا يكون إلا بفعل سياسي شجاع، قرارات سياسية تاريخية يجب أن تتم، إن أردنا الخروج من عنق الزجاجة ومأزق الدم الذي نعيشه، وهي قرارات لها ثمن باهظ لا شك، ولكن مهما غلا الثمن فإنه أقل من ضياع كامل. تعطيل الحياة • في كل بلدان العالم الإسلامي المرأة تقود السيارة.. المحلات لا تغلق أثناء الصلوات الخمس ما عدا الجمعة.. لكن الوضع مختلف لدينا، فهل نحن المسلمون الوحيدون أي الأصح تمسكا بالدين؟ أم هذا ما وجدنا عليه آباءنا؟ •• بل هذا ما وجدنا عليه آباءنا.. أتحدى أي فقيه أن يجد في كتاب الله ما يحرم قيادة المرأة للسيارة، بل والاختلاط وغيره مما حرم بغير سلطان من رب العالمين، ناهيك عن تعطيل الحياة بالإغلاق، وحتى يوم الجمعة صلاة الجمعة فقط. أصبح مبدأ سد الذرائع هو السيد في مجتمعنا وكل حركة لدينا، مع أنه كان نتاج الفقهاء ولا علاقة له بكتاب الله الكريم. ورحم الله فقيه الأندلس ابن حزم الذي قال ما معناه إنه إذا كان كل مؤد لحرام فهو حرام، فليخص الرجال لقطع دابر الزنا، ولتقطع كروم العنب لمنع صنع الخمر. هنالك ما يقارب المليار ونصف المليار مسلم في هذا العالم، ولا أظن أن غيرتنا على الدين أكثر من غيرتهم.. وليتفكر أولو الألباب.