مجتمعنا الخليجي لا يزال في طور النشأة، ولم تزل السنون تزيده خبرات على خبراته, لا يمكنه بين يوم وليلة أن ينافس المجتمعات التي سبقته فكراً وتجربة, لكنه يتميز عليهم بأنه يملك كل المقومات التي تكفل له النجاح، لكنه هو من يؤخر نفسه بنفسه! الدكتور بدر المحيلبي أكاديمي كويتي تخصص في التربية وتلوّن بالأدب، فجمع البيان والإبداع طرحاً وفكراً. عاش في بريطانيا عقداً من الزمان, عاد منه وهو محب لتراثه الإسلامي وتاريخه أكثر, يشغله أننا نعيش بلا هوية، ويتحكم فينا كل شيء إلا ما يجب أن يحكمنا ويسيّرنا وهو العقل والمنطق! رصد في أكثر من دراسة له وبحث عمق الهوة التي نعيشها بيننا وبين أنفسنا وبيننا وبين المجتمعات الأخرى، وكيف أننا سمحنا لمصادر الأخبار فقط أن تتحكم فينا وفي صياغة العلاقات بيننا. الدكتور بدر يملك حساً مرهفاً لا نكاد نتلمسه في البيئة الأكاديمية عندنا، لذا أصدر سلسلة «ثقافة العاطفة» التي من خلالها يحاول أن يتسلل إلى الكوامن بداخلنا ويغذيها بما تحتاج من مشاعر وعاطفة وفق قوالب إسلامية بالغة الروحانية والمودة. يخاف ضيفنا من الظلام الذي أصبحنا نعيش فيه أكثر من النور ومن الأجندات غير المبررة، ومن خوضنا معارك تافهة تجعلنا لا نبصر عدونا جيداً ولا نترفق بتفاصيلنا أكثر، وتمنحنا تعباً وإرهاقاً لا طائل منه. في حوارنا مع الدكتور بدر سنسمح للقلب أن يكون سيد الحوار، وسيكون للعقل حضوره الأجمل، ونعدكم بأن تبتهج أرواحكم بكل المعاني هنا. { الكويت - خالد الباتلي الفكر التربوي كيف هي مواكبتنا لمتغيراته.. لم لا نملك نظريات تربوية معاصرة نقارع بها العالم؟ - لا شك أننا كنا نمتلك رصيداً زاخراً من الفكر الأصيل الذي عمر الدنيا ذات يوم، وقد استقطب فكر الحضارات المجاورة واحتواها. غير أننا اليوم نعيش فجوة بين ما كنا نمتلكه بالأمس وما نعيشه اليوم، إذ إن فكرنا التربوي المعاصر قابع بين شبهات المعارضين وقصور المؤيدين، حتى حوصر الفكر التربوي وأشبه ما يوصف به اليوم أنه فكر تابع لغيره بعد ما كان متبوعاً من الغير. ولا نزال نستورد النظريات التي كنا نصدرها للعالم.. فلم يعد الفكر ولا المفكر على درجة من القدرة على أن يكتفي بذاته. لم اخترت حسن البنا موضوعاً لأطروحتك للدكتوراه؟ - اختياري للشيخ حسن البنا كان سببه تخصصي العلمي، إذ إن تخصصي هو «الفكر التربوي الإسلامي المعاصر»، ولا بد للباحث من اختيار موضوع تتوافر فيه المراجع لدراسته، وإلا ستتوقف الدراسة بسبب ندرة المصادر. وبما أن الشيخ البنا وثقت حياته وأفكاره ومنهجه من أتباعه ومريديه، فكان من السهل على الباحث الكتابة في فكره التربوي الذي لم أجد صعوبة في الوصول إلى مصادر المعلومة، سواء أكانت من السطور أم الصدور من أتباعه. مزاولتك المهنية بصفتك أكاديمياً هل أضافت لتطلعاتك الدراسية؟ - العمل الأكاديمي عمل جليل، وكنت أسعد دائماً وقت الذهاب ووجودي بمقر العمل، الأمر الذي جعلني أعمل على كتابة الأبحاث والدراسات العلمية المتعددة في مجال التخصص، وأنا الآن أستاذ مشارك وفي فترة التحضير لدرجة الأستاذية في الفكر التربوي الإسلامي المعاصر. البيئة التعليمية كيف تقوّم البيئة التعليمية في الخليج.. لم نملك المال ولا نملك التأثير؟ - ليست لديّ معلومات دقيقة عن البيئة التعليمية بالخليج بشكل عام، ولكنني أتحدث عن الكويت، فالبيئة التعليمية بالكويت على رغم تاريخها وإمكاناتها إلا أنها لا تزال فتيّة تحتاج إلى المزيد من التنظيم على مستوى المناهج والإدارة والمخرجات والسياسة التعليمية. ما الفرق بين دكاترة زمان وطلاب الآن؟ - بالأمس كان الدكتور يأمر وليس للطالب من بد في الاستجابة، وكانت سمة الشدة غالبة على الهيئة التدريسية، حتى إن معدلات الامتياز نادرة وقلّ من يحصل عليها على رغم جهد الطلبة الكبير، أما طالب اليوم فهو في رفاهية من العيش ورغد من الدلال، وقد زاحمت الأعراف الاجتماعية القوانين والقواعد حتى كسرتها، وهذا يوضح ضعف المخرجات المعاصرة مقارنة بما قبلها. صورة المسلمين في ذهنية الغرب.. وصورة الغرب في ذهنية المسلمين.. بماذا خرجت منها؟ - كانت هذه دراسة فكرية عميقة وكنت أحد أعضاء لجنة الإشراف عليها من وزارة الأوقاف الكويتية التي أعدت الدراسة بالتعاون مع شركة «كوينيك بارتنرز» في سان فرانسيسكو، للتعرف على الصورة الذهنية لدى الغرب عن المسلمين والعكس، في دراستين منفصلتين. وتمّ إجراء الدراسة الميدانية في كل من بريطانيا وأمريكا وألمانيا وإيطاليا وإسبانيا وهولندا، وهي دراسة عميقة ضخمة تبنتها وزارة الأوقاف مشكورة لتقريب الفجوة بين الحضارتين الإسلامية والغربية. وأثبتت الدراسة أن الغرب لا يعرف شيئاً عن المسلمين إلا من خلال ما يشاهده في وسائل الإعلام خصوصاً الأخبار، وهو مؤشر خطير. الجمعيات المهنية التعليمية هل تقوم بدورها كما يجب في المجتمع؟ - الجمعيات المهنية مجتهدة، ولكن ليس لكل مجتهد نصيب، فلا تزال تطالب ولا يلتفت إلى مطالبها، ولا نزال نعيش أطرافاً متباينة بين المؤسسات التعليمية والإدارة الحكومية ولم تحقق المطلوب. بين مجتمع بريطانيا ومجتمع الكويت.. هل وجدت اختلافاً يستحق دراسة الحالة؟ - وجدت كل الاختلاف، وقد عشت في بريطانيا قرابة عشر سنوات كانت هي لب معرفتي وجل تطوري وبناء ذاتي، وهي فترة تستحق الدراسة بالفعل، فالمجتمع الغربي، خصوصاً البريطاني، قائم على المعرفة وهي متوافرة وسهلة المنال، فحياتك في إنكلترا إنما هي معارف تزداد كل يوم. سأكتفي بمثال واحد فقط على كلامي، وهو المكتبة، إن المكتبة في بريطانيا تعج بالزوار حتى ساعات متأخرة، بل وأحياناً كثيرة اضطر إلى الانتظار حتى أحصل على مقعد أو جهاز حاسوب استخدمه، والكتاب في إنكلترا ذو قيمة معرفية ومادية عالية، والجمهور يتمتع بحس عالٍ للقراءة والمطالعة، في الوقت الذي تعيش مكتباتنا اليوم من هجرة القراء وندرة الزوار، بل حتى مكتبات الجامعات لا تجد الطلبة يترددون عليها إلا للضرورة، وهذا في رأيي فجوة عميقة سببها نقص في ثقافة القراءة. الهوية والتصنيف اغتراب، غياب هوية، هل هذه هي حالنا الآن؟ - نعم نحن نعيش غياب للهوية، بل وأكثر من ذلك، نحن نعيش فقداناً للهوية للأسف، حتى أعضاء الهيئة التدريسية في القسم الواحد يختلفون على مفاهيم وقضايا أساسية، والسبب غياب الهوية. نجد تطبيق ذلك في المناهج التي لا تعكس صورة المجتمع، في السلوك الذي يخالف الأعراف، وهذه مشكلة نشترك فيها مع دول الخليج. قضايا التصنيف التي نعيشها، إلى ماذا تعزوها؟ - إن كنت تقصد التصنيف الفكري، فهذا موجود، وسببها في رأيي ضعف ثقافة الاختلاف، وإن كنا ندعي الديموقراطية إلا أننا لم نصل إلى مستوى تقبل نتائجها. وتصنيف الأفراد بحسب اتجاهاتهم أو أشكالهم أو أسمائهم أو اعتقاداتهم موجود، ولا نزال نعيش تبعاته في التفرقة والتحزب، حتى أصبحت المناصب الإدارية والفرص الوظيفية محكومة بهذا المقياس، وهو بلا شك مقياس جائر. التطرف والتعصب الديني والاجتماعي إلى ماذا سيقودنا؟ - التطرف بكل أنواعه مرفوض في العقل والنقل، والتعصب لا يجر إلا إلى الدمار والعياذ بالله، سواء أكان تعصباً دينياً أم اجتماعياً أم فكرياً أم غيره، فالتعصب نتيجته واحدة وهي الدمار، وقد ذمَّ الله التشدد، وبيّن في أكثر من موضع ضرورة ملاطفة الحياة بأيامها وحلوها ومرها، وأن المنبت لا أرضاً قطع ولا ظهراً أبقى، وهذه هي القاعدة في هذا الباب. كيف يتأتى لنا أن نصل إلى درجة من التحضر، هل هناك معايير معينة ينبغي العمل عليها؟ - التحضر ثقافة، والحضارة سلوك، ولا نزال بعيدين كل البعد عن أبجديات هذه الثقافة، وعلى رغم أننا ولدنا في أسمى ثقافة وأرقى عقيدة إلا أن انسلاخنا من تعاليمها جعلنا نعيش عالة على فتات الحضارات ونسينا أثمن ما لدينا. اغتراب المثقفين هل هو ناتج من أنهم يملكون أفكاراً ولا يملكون القرار؟ - حتى لو ملك المفكر قراراً فإنه سيصطدم بالمجتمع المحيط به، فهو متأثر بالبيئة التي يعيش فيها، ولو حاول الإصلاح فستكون معاول الهدم له بالمرصاد، وما ينقص المثقف هو الاعتزاز بثقافته بغض النظر عمن حوله. والذي أراه هو امتلاك المثقف رصيداً من التجربة والخبرة التي جمعها في ترحاله بين دول العالم التي سبقتنا، وفي حال رجوعه يصطدم بالبيئة التي لا تتساوى مع خبراته، والنتيجة هي مفترق طرق إما اغتراب المثقفين وإما التقوقع والذوبان داخل المجتمع، حتى تصبح خبراتهم مجرد ذكريات جميلة لا أكثر. هل تجد أن هناك حرباً خفية بين المثقفين ورجال الدين؟ - أبداً.. بل أجد تعاوناً وحباً بينهم، فلا تعارض بين الدين والثقافة، بل بالعكس هناك تعاون واضح، وإن كان غير ذلك فلا يعدو أن يكون اختلافاً في وجهات النظر لا أكثر. «فلسفة التغيير» هل لا بد لها من قوة سياسية أو لا بد أن يوافق عليها كل أفراد المجتمع؟ - (يا يحيى خذ الكتاب بقوة) لا تغيير في مجتمعاتنا إلا بالقوة، والقوة التي أقصدها هي القوة السلمية، قوة العلم والشباب والمنطق والعقل والقانون والحكومة، فإن أرادت الحكومات التغيير والتطوير فإنها تستطيع فعل ذلك بلا شك، وسلاحها هو المثقف والجيل الشبابي الصاعد. مستقبل الفلسفة عندنا من يصوغه.. وهل يكتب بحروف سياسية؟ - نعم الفلسفة لا تزال رهينة السياسة، وستظل كذلك. المجتمعات والأزمات لماذا الأزمات أصبحت تعرف طريقها في المجتمع الكويتي وأصبحت تعوق الكثير من الانطلاقات؟ - الوضع الحالي في الكويت غير مستقر على رغم صيحات التهدئة التي نسمع، وهو وضع لم نعتد عليه، ويرجع البعض سببه إلى أجندات خارجية لها مصالح والبعض الآخر يعتبر رد الفعل هو السبب الآخر. وفي رأيي أن الأمور ستصير إلى طريق غير معلوم ولست متشائماً بقدر ما أنا منطقي, فكلا الطرفين متمسك برأيه بل ومصرٌّ على استكمال المسيرة في الوقت الذي نرى فيه أصوات الحكماء لا يسمع لها، وأتمنى للكويت الأمن والأمان. السياسي الخليجي.. هل يعرف أصول اللعبة السياسية أم لا نزال هواة فيها؟ - لا نزال نحتاج الكثير من الوقت لنعيش التجارب السياسية على أصولها، نعم هناك نخبة من السياسيين المحنكين الذين أسهموا في صنع قرارات أسهمت في تبلور الساحة الخليجية على أنها محط أنظار العالم، ولاسيما في حال الأزمات السياسية. غير أننا لا نزال بعيدين عن الدور السياسي المؤثر، نظراً إلى ضعف دول الخليج عسكرياً واختزال حدودها في التأثير في الدعم المادي وحده. كيف ترى تعامل مجتمعنا مع «المبدع»، هل يمكن أن نقول إننا في بيئة جاذبة للمبدعين؟ - لا أود أن أبدو متشائماً، ولكن المبدع في بيئتنا ليس له مكان، وفي أحيان كثيرة يحارب من دعاة الكسل والهوادة والركون, وهذا ليس هو السبب الوحيد. بل إن افتقارنا إلى المحضن العلمي المناسب لهذا المبدع هو أكبر الأسباب في فقدان تلك البيئة للمبدعين، فلا تزال المختبرات والورش ومجالات الإبداع خاوية قد وثقتها حبال القيود الإدارية والقوانين الرجعية التي تعوق التطور والإبداع، ولا نزال أسرى الروتين القاتل الذي يقضي على كل مبدع. في الوقت الذي نرى فيه نخبة من الشباب الصاعد الطموح الذي يرغب في أن يحقق لبلده السمو والرفعة، وقد تضيع جهودهم بسبب روتين أو قرار فردي ممن لا يقدر قيمة المبدع. كيف سطا الأديب بداخلك على التربوي الأكاديمي الذي تتوشح به؟ - لم يسطُ أحد على أحد.. (لا الشمس ينبغي لها أن تدرك القمر ولا الليل سابق النهار). إن مثل الأدب والتربية في داخلي كما قال الله تعالى في بني إسرائيل (قد علم كل أناس مشربهم) وهما كالبحرين يلتقيان غير أن بينهما برزخ لا يبغيان. منذ صغري وأنا مولع بالأدب.. وقد قرأت أول ما قرأت القصص المصورة في المرحلة الابتدائية، كنت أساعد أمين المكتبة وأصف القصص والكتب، ومنها شغف القلب بالقراءة، وفي سن ال16 قرأت كتاب «وحي القلم» للرافعي. وعلى رغم أنني لم أستوعب كلماته إلا أنني شعرت أن هذا الكاتب يناديني.. وانهمكت على قراءة أعمال الرافعي كلها وأحببتها حباً جماً, فقرأت «وحي القلم» ثم كتاب «المساكين» و»حديث القمر و»أوراق الورد» و»السحاب الأحمر» و»رسائل الأحزان» وأنا لم أتم ال18 عاماً. تأثرت كثيرا بالرافعي، وكنت أحفظ كلماته وأخطط بالقلم على عباراته الرفيعة وفكره المحافظ، ثم قرأت للمنفلوطي النظرات والفضيلة وبعض المقالات الرائعة. كان الأدب بداخلي منذ الصغر.. وقد استهواني الحديث عن الذات وحقيقة النفس وحقيقة الإنسانية والفضيلة، وهي معانٍ سامية لا يحويها قلب فتى صغير. ولطالما ساعد الجانب الأكاديمي الجانب الأدبي، والعكس صحيح.. فقد استفدت كل الفائدة بالثقافة العامة التي أحملها في شرحي وتدريسي بالكلية للطلاب. فقد كنت منذ الصغر أمتلك مكتبة خاصة في البيت، وكنت أوفر من مصروفي الشخصي لأقتني أروع الكتب وأندرها، وكنت مولعاً بالقراءة والحفظ حتى حفظت الكثير، ودرست القرآن الكريم والسنّة النبوية والأشعار الجاهلية وما تلاها، وكلها أسهمت في صقل التصوير البياني في ألفاظي وتشبيهاتي.. وكنت كثيراً ولا أزال أحاكي الرافعي من بعيد وربما حاكيته من قريب. ثقافة العاطفة ثقافة العاطفة.. هل تجد لها حيزاً يليق بها بين الثقافات؟ - هي موجودة.. وفي كثير من المجتمعات واضحة جلية، غير أننا في مجتمعنا الشرقي لا نزال نعاني من ضيق الحيز الذي نضع فيه ثقافة العاطفة. العاطفة ثقافة، وهي ساكنة في نفس كل إنسان ولكن الاختلاف بينهم في إظهارها لا أكثر، وسبب ضيق الحيز لها لدى بعض الحضارات يرجع إلى أسباب اجتماعية أو دينية أو عرفية، ولكنها في النهاية موجودة. ديننا تسكن نصوصه عاطفة راقية.. لم لا تجد هذه النصوص رواجاً مثل نصوص التقريع والتهويل؟ - يرجع السبب في هذا إلى ضعف الخطاب الديني وسطحيته لدى البعض، ففي السابق عاشت المرأة فصولاً من الحرية والتقدير في عهد الرسول صلى الله عليه وسلم ما لم تعشه اليوم في بعض المجتمعات. وشاركت في السابق أكثر مما شاركت اليوم، والسبب في هذا ضعف القراءة في مكونات الخطاب الديني الذي جاء مفصلاً حقيقة العاطفة وأنها مصدر السكون والمودة بين الرجل وأهله. ثم اتسعت الهوة حتى أصبح الضعف اجتماعياً بعد ما كان دينياً. يقول محمد قطب: «لقد كان المسلمون في خطأ بيّن وظلم بيّن للمرأة حين منعوها تعليمها» وقد صدق.. تردت حال المرأة حتى أصبحت حبيسة الجدران في البيت بحجج واهية، مفادها العفة والستر والخوف على المرأة من الفتنة، في حين أنها في عهد الرسول صلى الله عليه وسلم كانت تبيع وتشتري وتتعلم وتقرأ وتتفقه وتشارك في الحروب وغيرها من المناسبات، على غير ما هي عليه اليوم من تحكير. والعامة من الناس تسمع لنصوص التقريع والتهويل لبساطة قلوبها وحسن ظنها بمبادئ الأجر والثواب والعقاب وهذا حسن، غير أن هذا لا ينبغي أن يكون على حساب فهم خاصة الناس في هذا. الكتابة العاطفية لا تزال عيباً عند الكثير.. لماذا؟ - لعله يرجع إلى أسباب اجتماعية بحتة، فلا تزال المرأة في نظر الكثير مغلفة بغلاف التستر لا الستر، حتى حرموا المرأة أقل حقوقها بحجة حمايتها، وهذا قصور في الفهم، فالعاطفة حقيقة في البشرية شأنها شأن اليدين والعينين واللسان والشفتين، وبغيرها لا تدوم أسرة، ولا تستقر حياة (وجعل بينهما مودة ورحمة) ربط المودة والرحمة برباط الرجل والمرأة والعاطفة هو رونق الحياة وهو بلسمها الذي ينير لها الدروب. بها يستكفي الرجل بامرأته، وتستكفي المرأة بزوجها، وبها يسكن الإنسان إلى بيته (سكن لكم)، ليس هذا فحسب، بل جاء التصوير القرآني إلى أبلغ من هذا حين قال تعالى (هن لباس لكم وأنتم لباس لهن)، صورة من صور تحقيق الستر والحماية والدفء في هذا الزواج والارتباط الروحي قبل الجسدي بين الرجل والمرأة. النظرة القاصرة لمفهوم العاطفة سببه تراجع المفهوم الإنساني للحياة، وابتغاء وراء ذلك يعوق استمرار قضية الإنسان الأولى في الأرض وهي خلافة الله، تربية الأولاد على مبادئ الفضيلة، وتعليمهم أن يكونوا نعم الخلف لنعم السلف, هذه قضايا كبيرة لا تستقيم إلا في أسرة ساكنة متفاهمة يملؤها الحب والعاطفة. لقد هرب الرجل من بيته وابتغى وراء ذلك.. وهربت المرأة من بيتها وتسكعت في الأسواق، وأصبح طريق الرذيلة أسهل من طويق الفضيلة في ظل الفتن والتقدم التكنولوجي ووسائل الاتصال التي أسهمت في نشر المبادئ الإباحية، حتى أصبحت المرأة سلعة لعرض جسدها في مقابل دراهم معدودة فغابت الفضيلة. ومن لهذه الكوارث؟ أم من لهذه المصائب؟ لا سبيل لنا لصون المكارم إلا بالعاطفة, العاطفة التي تبني مباني الفضيلة بين الرجل والمرأة حتى يرى الدنيا بعينها وترى النور بوجهه. العلاقة العاطفية بين الرجل والمرأة.. لماذا منظار الحرام طغى على الحلال فيها؟ - لطبيعة العلاقة بينهما.. فهي محفوفة بالمخاطر والشهوات، وقلّ من يسلم في خط حدود هذه العلاقة لاستشراء الشهوة في النفس البشرية، فمعيار العفة دقيق، والحلال بيّن والحرام بيّن، ومن وقع في الشبهات وقع في الحرام. والشيطان يرتع ويلعب في هذه المنطقة، وهو سلاحه الفتاك الذي أضل به الناس، فالمرأة محببة للرجل، وهي فاتنة ومفتونة وهذه غريزة في الإنسان، ولكن الذي يقوم بهذه العلاقة بما خطها لنا الشرع وبما أقرها الله للإنسان، نال منها ما تقر به عينه وتأنس به نفسه. ولهذا كانت فضيلة السكينة للأزواج وحدهم، وميزة المودة للبيت ومن سكنه والأولاد ومن رعاهم، وكانت قيمة حفظ العرض وصون الفضيلة بأن جعل الله الجنة تحت أقدام الأمهات ولم يقل النساء، وفيه دلالة على عظم جائزة المرأة المصون والزوجة العفيفة، لأنها تبين خلافة الله في الأرض.. فتكون كالمسجد يكون في الأرض ولكن السماء تكون فيه. علاقة المرأة بالرجل علاقة المرأة بالرجل في المجتمع الخليجي.. هل لا تزال تلاحقنا قصة الذئب والشاة؟ ماذا ينقصنا للتعايش السلمي؟ - تنقصنا الثقافة العاطفية، ولهذا السبب كتبت هذه السلسلة، لافتقار الناس لها، فمن دونها يعيش الرجل ذئباً يطارد الشاة، وهذه صورة عقيمة تتنافى فيها منابع السكينة التي نزلت مع آدم وحواء، وأسهمت العادات في توسيع هذه الهوه بين الرجل والمرأة، حتى أصبح البعض يمارس المخالفات سراً وإن كان ظاهره الصلاح، لأنه لا يتلبس الصلاح لاقتناعه به, بل لأن المجتمع فرضه عليه. ونفض الثقافة العاطفية سبّب نقصاً في الذاتية، وباعد الإنسان عن حقيقة نفسه المؤمنة. من تجربتكم بالكويت.. الاختلاط بين الجنسين هل خفف من حدة التوتر أم زاد منها.. وما تعليقك على دعاوى الفصل بين الجنسين؟ - نعم خفف كثيراً من هذا التوتر، وقد عملت بالجامعة سنوات ورأيت فيها صورة عفيفة للتعايش بين الطلبة والطالبات في الحرم الجامعي، الأمر الذي خفف من حدة النظرة من كلا الطرفين. وفي رأيي أن مسألة الاختلاط لا تعدو أن تكون ثقافة. فالمرأة هي الأخت، وهي الأم، وهي الزوجة. والرجل هو الأخ، وهو الأب، وهو الزوج، والعلاقة بينهما هي علاقة تكامل وتعاون وليست علاقة تضاد واستقلالية. «تويتر».. هل أزال الأقنعة عن الوجوه التي أتقنت التمثيل؟ وما الذي حققته شبكات التواصل الاجتماعي، وفشلت في تحقيقه الأنظمة؟ - نعيش اليوم عصر الاتصالات، وهو عصر سريع تتغير فيه المقاييس سريعاً، و»تويتر» شأنه شأن وسائل الاتصال التي نتعامل بها حالياً، والتي سنتعامل بها لاحقاً، وقد كوّن «تويتر» مجتمعاً للبعض حتى ولدوا فيه أبطالاً بعد ما كانوا في عداد المنسيين، وأتاح لمن له مقالة أن يقولها، ولمن له فكر أن ينشره، وبدا في الأفق ميلاد قوى جديدة وهو سلاح الكلمة، وقد غيّرت هذه الكلمة دولاً، وخطت اتجاهات وأفكاراً، حتى علت ألسنة ما كان لها أن تعلو.. وهذا بلا شك من طبيعة العصر السريع.