لا يكسوني سيدي الفلاح ملابس جديدة عادة في يوم العيد، أقصد ملابس أقل اهتراء، بل حين تسفر شجرة العنب عن ثمارها، وتكون في طور التشكل لتكون صالحة للقطاف فيما بعد، حينها أكون في حالة شبه عري كامل، منسية إلا من مزق تعبث بها الريح، وأكون في حالة النسيان تلك قد صادقت الكثير من الطيور، العصافير والغربان، يتقدم سيدي الفلاح في موسم الثمر، يلبسني ما خلعه عنه، يلبسني ما كانت تخشاه الطيور فعلا، ذاك الذي كان يهش عليها، ويرجمها أحيانا بالحجارة، ثوب كثير الرقع وعمامة تلف رأسي، لها رائحة العرق والطين، الآن أنا هو، ينتصب عبري حارسا للثمر، كان أصدقائي يقتربون مني عند كل شمس تشرق، بلا خوف ولا فزع، وبلا تردد، لقد عرفوا فيّ الوداعة والسلام، الصبر والحلم، يحطون على ذراعي الممدودتين، وعلى ما تبقى من عمامة رأسي، رأسي في الواقع ليس سوى علبة مقلوبة، هكذا أراد من سواني ووهبني وظيفتي في الحياة، كانت تدغدغني مخالب صغيرة ومناقير، وتخدش كبريائي أحيانا فضلات لها رائحة عطنة، تجرحني مخالب وتشعرني بالدفء أرياش ناعمة، من كل ذلك تعلمت كيف أن الصبر قوام الحياة، وأن علي أن أغفر زلاّت الأصدقاء، من هنا، من مكاني العلوي، ذقت لوعة الليالي الباردة، قسوة الشتاء وألم الوحدة، معنى أن تغرق في المطر دون أن تملك القدرة على الهرب، كيف هي أيام الصيف في ظهيرة محرقة، راقبت الجفاف وعواصف الرمل وتعري شجرة العنب في فصل الخريف، كنت شاهدة دوما على ما يجري، أقصد ما تخبئه شجرتي المورقة، ما تحفظ من أسرار، القبلات الدافئة، مغامرات الكبار وبراءة الصبية في عبثهم، كنت دوما صامتة حين تغفو امرأة في قيلولة الضحى، حين تسرق لحظة زمنية من شقاء الحياة وتستريح، لقد جاء الموسم، موسم الثمر، سأودع من الغد أصدقائي، فأنا لهم عدو، ويا لعجب الحياة حين تضطرك أن تعادي من تحب، غدا سأكون الفلاح حين يلبسني ما خلع، سيكون هنا، فاردا ذراعيه، الفلاح المسكون في ذاكرة الطيور، ذاك الذي سيرجمهم بالحجارة حين يقتربون من ثمره إذا أثمر!