تحلت المملكة بالصبر عبر تاريخ علاقتها مع لبنان.. وتحملت بروح أخوية تقلبات المزاج السياسي والطائفي في بيروت.. واحتوت الصراعات والخلافات اللبنانية - اللبنانية وتواصل الدور السعودي في تضميد الجراح التي أنهكت الجسد اللبناني.. بكل مكوناته انطلاقا من تدخلها لوقف القتال ومحاولاتها تسوية الأزمة ووقف نزيف الدم ووأد الصراع الداخلي.. على مراحل منذ الحرب الأهلية في أبريل 1975 وبذلت مساعي توفيقية توجت بوفاق وطني في اتفاق الطائف عام 1990. وكانت الجهود الدبلوماسية السعودية تتعاقب كل ما نشبت أزمة جديدة.. ولم يكن الاهتمام والحرص مستغربا من الرياض عطفا على تاريخ العلاقات الأخوية الوثيقة التي تربط البلدين، ولكن فاض الكيل ولم يفطن اللبنانيون إلى أن الرياض قد ضاقت ذرعا بتصرفات ومواقف إثارة غضب الحليم.. وطالت سهام المناهضين لوحدة لبنان واستقراره الصمت الاستثنائي السعودي على التجاوزات المتكررة.. وتجاوزت الرياض مرارا عبث الانتهازيين ولكن عندما بلغ السيل الزبى وأدركت أن ما يسمى بالمقاومة تسلل إلى داخل السلطة.. وحول الدولة المدنية إلى ثكنة عسكرية خارج سيطرة الدولة.. جاء قرار وقف الهبة السعودية للتصدي لمشروع عزل لبنان عن محيطه العربي.. واعتراضا على تمادي المتطفلين وصمت الصوت الرسمي على اختراق حزب اللات للعلاقات الحميمة بين البلدين.. وتكرار المحاولات العدائية التي تهدد أمن واستقرار المنطقة بطريقة فاضحة صمت أمامها اللبنانيون مكتشفين أن الهيمنة الإيرانية قد تغلغلت حتى وصلت إلى مؤسساتهم الرسمية وسلبت قرارهم وبلغ بهم الأمر حد العجز في التعبير عن آرائهم ومواقفهم إلى درجة أصبحوا لا يملكون حق الرفض أو القبول.. وبمباركة جماعية ينقادون تحت تأثير سرطان حزب الشيطان العميل.. ونجح المشروع الإيراني تحت مسمى المقاومة في إيصال ولاية الفقيه إلى لبنان وتحول شيعته إلى عملاء لملالي قم.. واستبدل بلد الحريات والتعددية السياسية الحوار الحضاري بالسلاح بين مكونات سياسية كانت تسعى إلى الانتقال بتركيبته الاجتماعية من مستوى التعايش الطائفي إلى مستوى يؤهله لاعتماد مبدأ الفئوية السياسية. قد لا نحمل اللبنانيين جميعهم مسؤولية الخضوع لقرارات الملالي وأجنداتهم، بل هناك فرقاء وطوائف توحدوا على تفتيت بيروت وافترقوا على أمن واستقرار لبنان الوطن والمصير.. وتغلل الورم الإيراني الخبيث في أجسادهم وعقولهم.. السرطان الذي امتنعت واشنطن عن مكافحته وتستمتع بزحفه على دول المنطقة.. وخلفها أوروبا واتحادها متعاطين مع المشهد ببراغماتية تغلب المصالح على المبادئ.. الأمر الذي منح طهران ضوءا أخضر للتحرك وتوسيع تدخلاتها في شؤون دول الجوار.. ووصل عملاؤها إلى المؤسسات الرسمية في لبنان والعراق وسورية ويقاتلون للبقاء في اليمن.. عندها أدركت الرياض أن المهادنة على حساب أمنها واستقرارها إستراتيجية لم تعد مقبولة ولا تجد مع داء تضخم ووجب استئصاله.. ورفضت المعادلة التي استكانت لها الحكومات المستغفلة على مر العقود. وتوجب أن يدرك اللبنانيون وغيرهم من أن المواقف السعودية الحليمة.. تغيرت وفقا لبوصلة الأمن والاستقرار وانتهى عصر المهادنة.. وبلغ الأمر ميادين التماس في جميع الاتجاهات فلا عتب على اللبنانيين وغيرهم.. ولكن من عجز عن قول الحق فلا يصفق للباطل.. ولم يأت الحزم السعودي من فراغ فالأمر شديد الحساسية.. وبخاصة أمام الدول التي تعج بالمواقف المتناقضة وتتحول إلى رقعة شطرنج تخضع لوصاية وأجندات مشبوهة.. ورغم ذلك فقد أفصحت الرياض أنها ليست بصدد التخلي عن لبنان البلد بصفته كائنا مستقلا عن معركة الهيمنة الإيرانية ومغامرة الملالي واتباعهم.