أناس ينشدون البقاء وأناس ينشدون النجاح، وأناس ينشدون النجومية. تلك هي المنظومة المألوفة في المجتمعات البشرية الطبيعية. الغالبية هي الفئة الأولى، ولهذا لا نعرفهم إلا في دائرة معرفتنا الضيقة، لكننا في الغالب نعرف جيدا الفئة الثالثة وقليلا من الفئة الثانية لندرتهم و قلتهم. النجومية والشهرة ليست تخصصا أكاديميا وليست مهنة أو حرفة، لكنها قصص نجاح إنسانية لامست اهتمام ومشاعر جماهيرية وشعبية أو ما يسمى الرأي العام حسب تعريف المجتمعات الحديثة، هذه النماذج هي نماذج إنسانية تصبح قدوة ومثالا لأبناء جيلها تمنحهم الطاقة الروحية للتعبير تارة وللتغيير تارة أو لكليهما. بعض تلك النماذج تتجاوز جيلها إلى عدة أجيال بعد جيلها. لكن النجوم والمشاهير في المجتمعات التقليدية والمحافظة يكاد يقتصر على مجال واحد في حياتهم أو مجالين اثنين. عاشت مجتمعاتنا العربية لفترة طويلة لا تعرف نجوما ومشاهير سوى في مجال الرياضة والفن، ولا تعرف نجوما في مجالات أخرى سواهما، وكان نجوم الرياضة والفن بمثابة احتكار مطلق مدى حياتهم لمجالاتهم، مما حرم أجيالا من الدخول معهم أو منافستهم في مجالاتهم. هذا الاحتكار فرض نمطا محددا من الشخصية، فكان لا بد من أن يكون الممثل وسيما وأن تكون الممثلة جميلة وماعدا ذلك لا يصلح للنجومية. بعد ثورات الربيع العربي، تحدث كثيرون عن خلفيات بعض نجوم الفن الأمنية والسياسية في بلدان الربيع العربي، وأن صناعة هؤلاء النجوم لم تتم إلا خارج الوسط الفني والإعلامي. بطبيعة الحال لست ضد الرياضة ولست ضد الفنون، فما زلت أتابع بعض الرياضات وما زلت من متابعي بعض الفنون، لكن لا يمكن أن يتخيل المرء عند التفكير في بلد مثل مصر على سبيل المثال وهي الأكثر سكانا بين الدول العربية، فلا نعرف إلا نجوما من الوسط الفني، ولا تجد في الإعلام والصحافة إلا قصص وبطولات الرياضيين والفنانين، وهو بلد يزخر بالعقول والاحتياجات. لكن جيل غلا الخالدي استطاع بوعيه وتطلعاته وإجادته للعبة الإعلام الحديث والتواصل الاجتماعي فرض ثقافة جديدة من الإصرار والكفاح ليثبت وجوده وطرح وجهة نظره، بل ويلغي الحواجز بين الأجيال. فلم يكن الطريق سهلا أمام غلا الخالدي حتى أصبحت أول سفيرة في العالم للنوايا الحسنة من ذوي الاحتياجات الخاصة من قبل الأممالمتحدة، وقد تم تكريمها من قبل سمو أمير منطقة الرياض، وهي الحاصلة على لقب أصغر سفيرة لمبادرة 10ksa، وهي الناشطة في محاربة سرطان الثدي، والعديد من النشاطات والمشاركات بعدد من الفعاليات. لفت انتباهي مطالبة غلا بتغيير مسمى جمعية المعاقين إلى جمعية ذوي الاحتياجات الخاصة، وهو ما أضم صوتي لصوتها وأصوات كثيرة تطالب بذلك. أريد أن أتوقف عند أسرة غلا الخالدي وبالأخص والدتها هدى الشاعل التي لها دور بارز وواضح في بناء شخصية غلا ودعمها ومساندتها والتي كان من الممكن لهذه الأسرة أن تتعامل مع ابنتهم كبعض الأسر التي إما أن تخفي عن الأنظار وعن الناس أن لديهم طفلا من ذوي الاحتياجات الخاصة، أو أنها لا توفر له التعليم والرعاية والاهتمام المناسب، والتعامل معه كقطعة أثاث في المنزل. فمن الواضح للمتابع المستوى التعليمي الذي تتمتع به غلا الخالدي والانطلاقة التي تؤكد أن وراءها أسرة تحترم تلك المشاعر وتساعدها في الوصول لحقوقها، فشكرا لأسرة غلا ولكل أسرة تتفهم احتياجات ذوي الاحتياجات الخاصة وتعمل على تحقيقها. لا بد أن تقوم المؤسسات المعنية وخاصة وزارة الشؤون الاجتماعية ووزارة الصحة ووزارة التعليم بتحمل مسؤولياتهم تجاه إخوتنا من ذوي الاحتياجات الخاصة كما يجب وكما نصت أنظمة هذه الوزارات، من غير المقبول والمعقول أن تبقى قضايا ذوي الاحتياجات الخاصة مادة للتجاذب والمماطلة بين هذه المؤسسات وغيرها في كل مرة يفتح بها الملف، ثم لا يلبث المسؤول أن يلوذ بدهاليز البيروقراطية حتى يأتي موسم أو مناسبة لينثر الورد على أحلام ذوي الاحتياجات الخاصة وتطلعاتهم، هم بشر مثلنا لهم ما لنا وعليهم ما علينا، لا يريدون شفقة ولا إحسانا هم يريدون حقوقهم فقط، بل إنهم يمتازون عن غيرهم بالإصرار على أنهم قادرون على العطاء والتفوق والنجاح. لا يجب أن يقلقنا تفوق أبنائنا وبناتنا علينا، فالطبيعي أن يكون الشباب هم رواد التغيير في المجتمعات، ويجب أن يتفهم الإعلام الرسمي هذا الجانب ويوسع المجال لقصص نجاح الشباب في كل المجالات، ليكونوا قدوة لجيلهم ويحفزوا أقرانهم على العطاء والإبداع، وهذا هو البديل عن ترك الشباب والأطفال يجدون قدواتهم بين فئات منحرفة إلى أقصى اليمين أو إلى أقصى اليسار، فكلما زادت شريحة الشباب في واجهة المجتمعات دل ذلك على أنها مجتمعات صحية لا خوف عليها من انكسارات أو اهتزازات مفاجئة.