تسير وزارة التعليم بخطى حثيثة نحو الخصخصة كفكرة وعنوان لكتاب يحتاج الكثير من الفصول والأبواب لقيادة مشاريعه، والأقرب أن يكون كتابا في القانون. أكد ذلك وزيرها بإعلانه بداية هذا الأسبوع قرب إنشاء المدارس المستقلة والجامعات المستقلة، ولا أعلم ما الذي سيبقى للوزارة من عمل، بل وصل الأمر درجة تخصيص مؤتمر علمي عن التعليم «المنتدى الدولي للتعليم» بدورته الخامسة شهر رجب القادم، لبحث تطوير التعليم الأهلي وكيفية جذب الاستثمارات بتذليل عقباتها للقطاع الخاص مع الحفاظ على مستوى عال من الجودة، ولعمري هما هدفان، لا أقول متناقضان، لكنهما يحتاجان الكثير من الأنظمة والقوانين قبل البدء بخطوات تنفيذهما لضمان سلامة تحقيقهما. الجديد ما أعلنه الوزير بخصوص فتح فروع للجامعات الأجنبية وإعطاء استقلالية للجامعات المحلية، لافتا إلى أن جامعاتنا أصبحت مؤسسات ضخمة تعمل بأسلوب مؤسسي. أما أنها مؤسسات ضخمة فنعم، وأما أنها تعمل بأسلوب مؤسسي فلا أظن، بدليل عدم محاسبتها، ولا أقصد المحاسبة المالية، إنما حوكمة منتجاتها ومناقشة برامجها ومخرجاتها التعليمية، وبدليل تغير برامجها مع تغير مديريها. ومع اعتقادي الأساس أن الجامعة ليست جهة توظيف، إلا أن شعار الجامعات المعلن كان مواكبة خطط التنمية، ومع ذلك ظلت الجامعات ولعشرات السنين، منذ أيام الأخوات السبع وما بعدها، تقذف كل عام بخريجين لا يستوعبهم سوق العمل إما لتدني مستوى تأهيلهم الميداني أو لعدم الحاجة لتخصصاتهم النظرية، وطوال هذه الحقبة لم تجد الجامعات من يسألها عن هذا الهدر للمال والوقت والجهد. جامعاتنا تدار كما تدار الوزارات، ذات الروتين والبيروقراطية العتيقة وذات الأنظمة المعيقة لطبيعة عمل الجامعات حتى صارت نسخا مكررة وثانويات مطورة يديرها شخص واحد مهما بلغت قدراته العقلية والفكرية فلن يحيط بكل شؤونها وشجونها، مرجعه وزير مثقل بمهام أخرى ولا يزورها إلا مرة كل شهر إن سمح وقته المزدحم، صحيح أن هناك مجلسا لكل جامعة، لكنه مكون من عمداء كلياتها حيث تجد كل عميد «على كليته سرى». استقلالية الجامعة ليست ماليا ولا حتى إداريا، بل استقلال بمرجعية علمية يشكلها مجلس أمناء يضم أعضاء من خارج الجامعة يمثلون مجتمعها ومتطلباته، مجلس يحاسب إدارتها التنفيذية على برامجها ومدى جودتها ويحدد أهدافها ومدى اتساقها مع منطقتها الجغرافية بخطة استشرافية تربط مدخلاتها بمخرجاتها، بذا تتمايز الجامعات وتنفرد أقسامها العلمية، سواء كانت جامعات حكومية أم أهلية.