كان موسم الشتاء في تلك السنة سخيا ببرده، وكثافة ضبابه، وتتابع أمطاره. بيت العريفة الطيني من أبسط بيوت القرية وأكثرها تواضعا إلا أنه أدفؤها نظرا لما يتمتع به أهله من حس إنساني. ولأن العريفة يؤمن أن الإنسان مضمون وليس شكلا. نامت الأسرة إلا كبيرها. قضى هزيعا من الليل في ركن الشقيق (غرفة طويلة تضم موضع الطبخ ومكان الجلوس والنوم) وفي جواره بقايا دفء من حطبة القرض التي ولعتها (أم خميس) منذ المغرب. احتفظت الملة ببعض جمرها حتى تلك الساعة المتأخرة من الليل. تلفت حوله ورأى الصغار والصغيرات متسدحين فوق الهدم. وقطرات الماء تتسرب من خلال السقف الخشبي والترابي لتتلقفها صحون وأوان خصصتها سيدة المنزل قبل نومها لهذا الغرض. كان إيقاع (القطار) في الصحون والقدور أشبه بنغمات سيمفونية ترقق القلب، وتستثير المشاعر، وتحفز الذاكرة على استعادة الكثير من الحكايات والقصص. غطى الأجساد الغضة ببطانية واحدة مشتركة واطمأن على أن أقدامهم ليست باردة وعاد إلى مكانه في الزاوية يقلب الأمر وفي صدره علوم. زفر أبو خميس مرددا (يقول بوعساف كم نرقد وننبه، ما شبعنا فيك يا نوم، لولا مشقات الزمان النوم حالي). لف نفسه داخل الجبة ونعس قليلا. أفاق مع صياح الديك. جمع الأواني الطافحة بماء القطار. توضأ منها وصلى ما تيسر في منزله ثم انطلق للمسيد كان الإمام يقرأ (قل أرأيتم إن أهلكني الله ومن معي) فقال أبو خميس بينه وبين نفسه (إلا يهلكك لحالك). عاد مع شقشقة الضوء يتفقد الحلال في السفل ليطمئن أن المطر لم يصل إلى البهم. أيقظ الزوجة فأعدت له القهوة وأخرجت من الخريطة حبات من التمر وفتح الحديث مع أم خميس: وش رأيك في سوات ولدك شرهني من الناس ارتبطت مع عمه بكلام واليوم جاءني لينقضه ويحطني في نشبة ما لها حل، تساءل: وش فيها بنت عمه (جمعة) والله إنها خير منه. ردت أم خميس: يا مخلوق فك في العلم وإن شاء الله ما من عقدة إلا ولها حلال. للحديث بقية. علمي وسلامتكم.