يبدأ فبراير ليعيد ذكرى اغتيال الرئيس رفيق الحريري العام 2005، والذي نتج عنه خروج الجيش السوري من لبنان، وفي العام التالي حدثت حرب تموز لتقص الشريط عن مشروع إيراني جديد في لبنان، يتناسب مع التطور في حجم ونفوذ حزب الله، والذي جربه اللبنانيون في 2007، حين قام عناصر حزب الله بمهاجمة المناطق السنية وخطف الشباب، وكذلك مهاجمة الجبل حيث يقيم وليد جنبلاط. أما تمدد إرهاب حزب الله لخارج الحدود، فقد جربته عدة دول خليجية أما عربيا فمثاله خلية حزب الله التي اعتقلتها السلطات المصرية العام 2010، وبالتالي فإن إيران ترغب أن تزيد العائدات من أكبر استثماراتها الخارجية «حزب الله»، وبالتالي فالتعطيل ديدن الحزب منذ 2007، حصل هذا عبر الثلث المعطل في الحكومة، وعبر تعطيل اختيار الرئيس أو رئيس الحكومة، وبالطبع تعطيل البرلمان عشرات المرات. لحظة الانفراجة الوحيدة التي خالفت نهج حزب الله في العقد الأخير، هي لحظة ترشيح ميشال سليمان لرئاسة الجمهورية، ولم يكن ذلك ليحدث لولا التقارب القطري الإيراني أنذاك، والذي سمح بحل توافقي ساعدت على إنجازه الرغبة في مناكفة السعودية. أما اليوم فإيران وبالتبعية حزب الله، يقرأون المشهد عبر المتغيرين الجديدين في إيرانوسوريا، عبر البدء في رفع العقوبات عن إيران عقب الاتفاق النووي بين إيران ودول (5+1)، والمتغير الآخر هو التدخل الروسي العسكري المباشر، وبالتالي فمنصب رئيس الجمهورية مجرد بند واحد في هذه الرؤية للبنان، والرؤية الأشمل هي عودة لبنان إلى الانتداب السوري، بعد انتهاء الروس من عملية إعادة تأهيل نظام الأسد. هذه الرؤية تهدف إلى تعظيم سلطة حزب الله في الحكم، وما يحكى عن رغبة الحزب في تغيير طائفة قائد الجيش، وعن استحداث منصب رئيس جمهورية بسلطات واسعة، تأخذ بشكل رئيسي من سلطات رئيس الحكومة «المنصب السني»، وبالتالي يعود الانتداب السوري حتى لو كان ذلك بلا جيش، وينتهي للأبد الحديث عن سلاح حزب الله، لأنه سيصبح بمثابة الوجود السوري سابقا. يوم الجمعة الماضي وقبل عشرة أيام من جلسة البرلمان اللبناني ، المزمع عقدها لانتخاب رئيس للجمهورية، خرج السيد حسن نصر الله ليبين وجهة نظر حزب الله من الانتخابات الرئاسية، هذا الخروج سبقه غيبة عن الظهور والتعليق من الحزب على ترشيح سمير جعجع لميشيل عون، بل أن كتلة الوفاء للمقاومة لم تجتمع أو تعلق على موضوع الرئاسة. لا شك أن تأخر حزب الله في التعليق على موضوع الرئاسة، يرجع إلى الرغبة في منع إحراج روحاني خلال زيارته للفاتيكان ولفرنسا، كما أن الاختراقات التي قام بها الساعة اللبنانيون ببراجماتية شديدة أحرجت الحزب، وكشفت أن «الفراغ» هو مرشح حزب الله، لأن المخرج في طهران عاوز كده، وكشفت أن عون كان مرشحا للحزب، حين كان الحزب متأكدا أن الجنرال لن يكون يوما مرشحا توافقيا. خطاب نصر الله حمل أكثر من مؤشر، أولا مدة الخطاب الذي استمر لأكثر من ساعة، وهو ما يتجاوز معدل خطابات نصرالله منذ سنوات، بالرغم من أن الخطاب لم يتطرق لسوريا أو البحرين أو اليمن كما هو معتاد، وما طول الخطاب إلا إمعان في كونه خطابا لبنانيا للداخل قبل كونه خطابا لأطراف خارجية. كان واضحا شعوره بالطمأنينة من التواجد الروسي في سوريا، ومن وضع إيران بعد عودتها للحظيرة الدولية، ولكن بدأ متألما كثيرا من غياب الثقة بينه وبين حلفائه، وبدا واضحا كيف أن الإعلام أصبح موجعا للسيد كثيرا، وهو علامة بارزة للأنظمة والأحزاب الضعيفة، وكان يعرف جيدا أن 8 آذار بدأ جدار تحالفها يوشك على الانهيار. إن انتخاب فرنجية من قبل الحريري وجنبلاط، كان مفاجأة لنصر الله ولكن يمكن تبرير الرفض عبر التمسك بعون، وبدا أن السيد أسقط فيه يده بعد دعم جعجع لترشيح عون، وقد عاد جنبلاط ليحرجه مجددا بعد خطابه، حين قال «إذا كانت إيران فعلا لا تعطل الانتخابات الرئاسية، فيحق لكل مواطن أن يسأل عن الأسباب الحقيقية التي تمنع تأمين النصاب في مجلس النواب، خصوصا و8 آذار تفاخر بأن المرشحين من فريقها». وقد أحرج جنبلاط السيد نصر الله مرتين، أولاهما عبر تأكيده أن إيران تعطل ولو أنكر ذلك نصر الله، والنقطة الأخرى أن كون الناخبين من 8 آذار لا يعني قوة 8 آذار، بل يعني أن اختراقا سياسيا كبيرا حصل أحرج حزب الله أمام حلفائه، وبالمعنى السياسي لابد أن يقدم كل مرشح ثمنا لمن دعمه من 14 آذار، وما تغريدة سليمان فرنجية بعد الخطاب والتي قال فيها: «سيد الكل السيد نصر الله»، إلا استشعار بأن حزب الله يقول لا رئيس في لبنان اليوم ولو كلف ذلك عودة الاغتيالات.