سبق ل «عكاظ» أن أثارت فتور العلاقة بين الإنتاج الشبابي والنقاد، واتهم فيها شعراء شباب حركة النقد في المملكة بالبطيئة جدا على المستوى الإبداعي، ومستوى تلقف النصوص والتجارب الحديثة، مرجعين ذلك إلى الكسل المعرفي لدى أغلب النقاد، مضيفين أن هناك نقادا ثبتوا أسماء شعراء كنصب تذكارية لا تتزحزح عن أماكنها وكأن حركة الشعر ماتت عند هؤلاء الشعراء بينما الحقيقة عكس ذلك تماما، وتجاهلوا التجارب الشعرية الشبابية، إما بسبب الشللية البغيضة التي طغت على الساحة الأدبية أو قصور معرفي في قراءة نتاج الشعراء الشباب وعدم مسايرة المرحلة وافتقار في أدوات النقد.. وهنا رد النقاد: الإنتاج أولا ثم النقد الناقد الدكتور يوسف العارف، قال: اسمحوا لي أن أجمع كل التساؤلات الثمانية في أربع نقاط: أولا: دعوني أتساءل عن مصطلح الحركة الشعرية الشبابية وهل له حدود عمرية أو أسلوبية أو غيرها. ثم إني أميل إلى مقولة «الشعراء الجدد أو الشعراء المعاصرين» وأعني بهم الذين يدلفون إلى الساحة الشعرية والمشهد الثقافي بدواوينهم الأولى، وتجاربهم الشعرية المتوجسة والباحثين عن القارئ المتابع وهؤلاء - في نظري - هم الذين يحتاجون إلى النقاد والنقد للتفاعل مع نصوصهم وتقويمها وتحفيز أصحابها ليواصلوا المسيرة، وهؤلاء عليهم بالتلمذة والتي أعني بها البحث عن الناقد والتواصل معه وعرض ما لديه حتى يحصل على ما يريد من معرفة نقدية واستنارة إبداعية، واستشارة ثقافية. أما الذين خطوا بتجاربهم الشعرية إلى مساحات فسيحة من التبلور والمقروئية فليسوا بحاجة إلى النقاد؛ لأن أعمالهم الإبداعية هي السباقة وما النقد الا تابع ومتسلق على جهودهم لبناء نظرياته أو تأكيدها. فالشاعر الحقيقي هو الذي ينتج ويبدع ولا يسأل عن النقد؛ فالنقد مرحلة تالية لها وقتها وأصحابها، وصدق من قال من الشعراء القدامى.. «علينا أن نبدع وعلى النقاد أن يتأولوا». ثانيا: أنا شخصيا على المستوى النقدي أحتفي بالجيل الجديد شعرا أو سردا، وقد نذرت أعمالي النقدية لهذا الجيل. ثالثا: المسألة المهمة في هذا السياق هو دور الشاعر الشاب أو الشعراء الجدد في تسويق أنفسهم شعريا ونقديا. رابعا: أريد أن أحمل الأندية الأدبية ومجالس إداراتها الجديدة مسؤولية هذا الأمر فعليها أن تعقد الصلة بين الناقد والشاعر، أو السارد من خلال عقد الأمسيات الشعرية للجيل الجديد وخلق النقاد الجدد. الإبداع لا يحتاج النقاد الناقد سعيد السريحي يقول: العلاقة بين النقاد والمبدعين علاقة ملتبسة منذ أن كان دور الناقد مطاردة هفوات الشعراء حتى غدا الناقد وسيطا بين المبدعين (شعراء وقصاصين وروائيين) وقرائهم؛ يوضح لهم من مقاصد الكاتب ما التبس ومن جمال نصه ما خفي. وأضاف: في كلا الحالين كان الناقد يلعب دورا أبويا يمارسه مع المبدع حينا ومع القراء حينا آخر، حتى كاد يكون وصيا على هؤلاء وأولئك، وكاد الأطراف الثلاثة (مبدعين وقراء ونقادا) ينسون في خضم ذلك أمورا هامة؛ ذلك أن الإبداع الحقيقي ليس بحاجة للناقد كي يصل إلى القارئ. وأوضح السريحي أن الجمهور نسي أنهم مسؤولون وهم أنفسهم مطالبون بالتمعن فيما يقرؤونه دون حاجة إلى وسيط أو وصي يهمس في أذهانهم بالمعاني ويقود قلوبهم إلى مواطن الجمال فيما يقرؤون، ونسي النقاد دورهم في تطوير آليات القراءة والتلقي التي تفتح نوافذ لتفهم النصوص دون أن تكون مرتبطة بشعراء محددين وأعمال محددة، وإنما هي فلسفات عامة ترتقي بالقراءة والفهم لقراءة النص سواء كان نصا إبداعيا أو سياقا اجتماعيا تولدت عنه نصوص مختلفة. وإذا لم يكن هناك بد من الاعتراف بأن النقاد غير متابعين لما يقدمه كثير من المبدعين فليس هناك بد من التأكيد على أن المبدعين الحقيقيين ليسوا بحاجة كبيرة لهؤلاء النقاد وحسبهم في التعريف بأعمالهم ما تقدمه الصحف من عرض لإصداراتهم يحقق لهم تعريف قرائهم بهم، وحسبهم قراءة ما تم إنجازه في المجالين الإبداعي والنقدي لتطوير وعيهم بالكتابة، وليس لهم أن يشتطوا في لوم النقاد. شعراء أكبر من المتنبي الدكتور عبدالحميد الحسامي (أستاذ الأدب والنقد الحديث بجامعة الملك خالد) يقول: الإبداع - وخاصة لدى الشباب - غدا مستسهلا، وكثير منهم لا يحفل بمعايير الإبداع الشعري أو السردي.. قليل منهم من يعنى بالكيف، والكثير يستعجل إصدار أعماله دون تريث أو اهتمام بكيف كتب، فكل ما يهمه حجم ما كتب، وهل يكفي لأن يحتوي في ديوان شعري أو مجموعة سردية. لقد أسهم يسر الحال المادي والقدرة على تحمل نفقات الطباعة، وتنافس الأندية في عدد الإصدارات إلى وجود مثل هذا المشهد المحتفى بالكم على حساب الكيف. وعدد الحسامي الأسباب، وملخصها: غياب إستراتيجية ورؤية للعمل النقدي لدى المؤسسات المعنية بالأدب والنقد؛ ووجود طاقات شابة ومواهب جريئة تمكنت من تقديم المختلف على مستويات الرؤية والبنية الفنية، كسرت هالة الأبوة للمبدعين الكبار، وانطلاقها في مسار التجديد الشكلي دون استكمال تكوين موقف أو رؤية للحياة والإبداع. وأضاف: هناك كسل معرفي لدى كثير من المتخصصين الذين ينسحبون من المشهد عقب حصولهم على شهادة الدكتوراه؛ وكأن مسألة التكوين المعرفي انتهت عقب جلسة مناقشة رسالته العلمية. وتحدث عن «الشللية» موضحا أنها ظاهرة تعيق المشهد وتسهم في اعتلاله، ولا يقضي عليها سوى الانطلاق من حركة نقدية علمية واعية مبصرة ضمن مشروع نقدي إستراتيجي متكامل. ولكن الحسامي يوضح أن كثرة الإنتاج الإبداعي الشبابي مؤشر صحة؛ إذ يؤكد حضور الجيل الجديد في ميدان الكلمة المبدعة على الرغم من الشواغل المعاصرة. لكنه من وجهة نظر أخرى مؤشر سلبي يدل على استسهال الإبداع لدى المبدعين فنرى مبدعا ناشئا يستهتر بقيم الإبداع، ويكتب دون مبالاة بقواعد اللغة أو العروض أو الأسلوب، واصفا نفسه بأنه أكبر من المتنبي. كسر تنصيب الأسماء الدكتور علي العيدروس، قال: يعاني المشهد الثقافي العربي بشكل عام من ظاهرة عدم المواءمة بين الفعل الإنتاجي للإبداع الأدبي (شعرا وسردا) والفعل النقدي له، كما يعاني أيضا من ظاهرة التنصيب أو الصنمية للمبدعين الكبار أو المبدعين الرواد؛ حيث تتوجه مجمل الدراسات النقدية إليهم. والمشهد الثقافي السعودي بوصفة جزءا من المشهد الثقافي العربي فإن هذه الظاهرة قد طالته. هذا الشرخ في العلاقة بين مكونين لا انفصام بينهما يجعلنا نقف أمام كل التساؤلات التي طرحت ويطرحها العديد من المبدعين الذين عانوا من هذا الإقصاء ومن هذا الشرخ في العلاقة. ومن خلال اقترابي من المشهد الثقافي خلال السنوات الثماني الماضية فإنني لا أرى بأن النقاد لا يمتلكون أدوات النقد الجديدة، ولا أراهم لا يثقون بالمبدع السعودي الشاب، وإنما هو داء التنصيب الذي ابتلي به المشهد الفكري العربي عموما. كما أن البون الواسع بين غزارة الإنتاج الأدبي بشقيه الشعري والسردي، وبين عدد النقاد والباحثين أحد أهم الأسباب في بروز هذا الشرخ في العلاقة، فكيف إذا توزعت هذه القلة من النقاد والباحثين على مجالي الشعر والسرد. إنّ الشعر الجديد أو المبدعين الجدد من الشباب أو من هو في حكمهم، لهم تجربة خاصة، تجربة كسر الحجب، ومن وجهة نظري لا حاجة لنا للبحث فيهم عن تجاوز للأسماء الشعرية التي لها تجربتها الخاصة، وظروف تبلورها، وثقافتها إذا أردنا صنع مشهد ثقافي جديد لحياة جديدة بكل تفاصيلها. نحن اليوم في عصر الفكر والثقافة الجمعية أو المشاركة الجمعية في صنع الحياة متجاوزين بها مرحلة الأفراد والتنصيب الفردي، وهذا ما أدركه المبدعون وتجاهله النقاد أو قل هابوه.