جعل من صفحته بالفيس بوك مدونة حقيقية للثقافة، يعتقد أن كل جامعة عليها أن تقدم ناقدا كل خمس سنوات، يطالب مدّعي النقد بأن يتوقفوا عن تسويد صفحات لا قيمة لها، يعتقد في إمكانية مواجهة التطرف والإرهاب بالكتابة الإبداعية، شريطة أن يكون للتعليم دوره وللجامعات وظيفتها وللإعلام مسؤولياته. يحلم بنقد يقوم على التعامل مع الصورة والكلمة والشريط السينمائي واللوحة التشكيلية بوصفها نصوصا. يرى أن المؤسسة الثقافية العربية تفتقد للمشروع خلافا لمؤسسات قليلة، وأن المشهد الإبداعي الروائي السعودي واعد، وتتسع مساحة الإبداع فيه كل عام. إنه الناقد الدكتور مصطفى إبراهيم الضبع، أستاذ الأدب العربي الحديث بالجامعة الأمريكية بالقاهرة، ووكيل كلية دار العلوم بجامعة الفيوم، والذي كان معه هذا اللقاء. مدونتك الخاصة السلاسل الرائعة على صفحتك بالفيس بوك حولتها من توثيق للذكريات الخاصة إلى مدونة حقيقية للثقافة. ومؤخرا أصدرت سلسلة (من وحي المؤسسة الزوجية) في كتاب، وما زلنا في انتظار صدور بقية ما توقف مثل: من وحي التحرير، على الطريقة المصرية، كما يليق بعاشق. هل تخطط لذلك؟ وألا تخاف من تكرار نفسك؟ * أفضّل العمل بطريقة المشروع وهذه السلاسل ليست تكرارا فقد تفرضها ظروف النشاط المتعدد أو ظروف المرحلة أحيانا. وهناك فوارق واضحة وأخرى خفية بين كل سلسلة وأخرى: من وحي التحرير؛ ذات طابع ثوري تعامل بالتحليل مع الأحداث وترصد ما له علاقة بالثورة. على الطريقة المصرية؛ نقد موضوعي للمجتمع الإنساني عامة والمصري خاصة. غراميات؛ هدفها الظاهر لاهتمام بتقديم مساحات الإعجاب بشخص أو عمل فني أو كتاب أو حتى أغنية وهكذا، بينما الخفي هو استثمار العلاقة بشباب الطلاب والباحثين، والإسهام في تشكيل الذائقة أو التشجيع على القراءة والاكتشاف. كما يليق بعاشق؛ سلسلة تعبيرية تطرح شعورا إنسانيا يرصد لحظة لها خصوصيتها يعيشها الإنسان بأسلوب أقرب للشعر ولكني لا أراها شعرا. من وحي المؤسسة الزوجية؛ سلسلة معنية بقراءة المؤسسة الزوجية تحليلا لمشكلاتها وطرحا لأهم ما تعانيه في أسلوب ساخر. قصص قصيرة؛ سلسلة تعنى بتقديم نصوصي القصصية. خارج النص/داخل التجربة؛ سلسلة تهتم بطرح فلسفتي الخاصة للحياة والكون. قراءة المشهد؛ سلسلة تهتم بالقراءة التحليلية لمشهد ما. مواعيد غرامية؛ سلسلة إخبارية تقوم بدور وكالة الأنباء عن الأنشطة التي يمكن لجمهور القراء والباحثين متابعتها كندوة، محاضرة، مناقشة رسالة علمية، لقاء إذاعي أو تليفزيوني. لم تتوقف السلاسل التي توقفت مثل: نفثات مكتومة، من يوميات رجل، غراميات، مقعد مجازي في قاعة مؤتمرات. هل توقفت فعلا أم دمجتها وغيّرت اسمها كما فعلت في سلسلتك الحالية "خارج النص/داخل التجربة" التي عدّلتها لشكلها الأخير. * لم تتوقف بمعنى الكلمة ولكنه الوقت الذي يضيق عن الكتابة، فالكتابة في هذه السلاسل حالة تعويضية عن صمت الدوريات عن اكتشاف أقلام جديدة، والتزامها بقاعدة واحدة تقوم على الاعتماد على الأقلام الجاهزة. ولأن الكتابة لديّ حياة أعيشها يوميا أو هي محاولة للانعتاق من أسر اليومي فإنها تكون بمثابة العلاج الذي أبحث عنه لحظة تفرض نفسها بشكل يكاد يكون يوميا، وقد جعلت من الفيس بوك نافذة ألتقي خلالها مع قرائي وتلاميذي وأصدقائي. مشروعك النقدي ما مشروعك الثقافي النقدي الإبداعي بعد إصدار "ببليوجرافيا نقد الرواية"؟ * هناك ثلاثة مشروعات أساسية: * أولها: استكمال ببليوجرافيا نقد الشعر على غرار ببليوجرافيا نقد الرواية، واستكمال ببليوجرافيا الرواية العربية بعد منجز الدكتور حمدي السكوت الذي توقف عند عام 1994، وأعمل الآن على استكمال العمل من 1995 حتى الآن، وأطمح لأن أقدم هذه الببليوجرافيات للباحثين في برنامج إلكتروني يسهل التعامل معه علميا. * ثانيها: مشروع نقدي يعمل على قراءة خارطة الإبداع العربي شعره وسرده، طموحا إلى تقديم المساحات الجديدة في الإبداع العربي وفق قراءة منهجية، علمية، وقد بدأت المشروع الشعري في مجلة البيان الشهرية الصادرة عن رابطة الأدباء في الكويت التي تفضلت مشكورة بتبني مشروع "شعراء الألفية الثالثة" بإفراد مساحة شهرية (2700 كلمة شهريا) قرابة عشر صفحات لتقديم أحد شعراء العربية بشكل علمي يقوم على التعريف بمشروع الشاعر ودراسة آخر دواوينه (المشروع ينشر شهريا منذ يوليو الماضي)، وأطمح إلى تقديم مشروع موازٍ يكشف عن المساحات الخفية في السرد العربي في الألفية الثالثة، فالساحة لا ينقصها الإبداع وإنما ينقصها مشروع نقدي قادر على قراءة المشهد. * ثالثها: نشر الأعمال الجاهزة للنشر (خمسة كتب): وهي «سردية الأشياء، على الطريقة المصرية، الكاتب المجهول حسن فضل، ترقينات سردية، من نافذة التاريخ نص مجهول للشاعر أحمد زكي أبو شادي، مع إصدار طبعة ثانية من "إستراتيجية المكان" الذي يتزايد الطلب عليه من الباحثين في الرواية». الخلفية المعرفية ما أبسط وأدق أدوات الناقد المؤثر؟ * الخلفية المعرفية، فكثير من الباحثين في الرواية الآن تكون الروايات التي يدرسها هي أول روايات يقرأها في حياته وهي كارثة علمية بكل المقاييس. القراءة العلمية ذات الطابع الإبداعي، فالناقد ليس مجرد مطبق لمقولات النظريات، الناقد مبدع لرؤية جديدة تضاف إلى رؤية المبدع. الموضوعية القائمة على الذائقة لا الاعتبارات الأخرى فالساحة النقدية في معظم أقطار الوطن العربي تعاني طغيان الشللية وضعف مستوى الأجيال الجديدة من النقاد وغياب الجامعة تماما عن دورها المتمثل في إنتاج النقاد. حيث يفترض على كل جامعة «أقول كل جامعة وليس كل كلية» أن تقدم ناقدا كل خمس سنوات، وهذا ليس مطلبا مستحيلا ومع ذلك لا يحدث. الشكوى صحيحة شكاية المبدعين المستمرة من النقاد، ما مدى صحتها؟ وكيف نسدّ هذه الفجوة المزمنة؟ * الشكوى صحيحة في مجملها لكن الأدباء أنفسهم مسؤولون، وشركاء في الشكوى فطوال الوقت يكتفون بالشكوى دون التفكير في الحلول أو وضع مقترحات أو على الأقل البحث عن أسباب المشكلة متعددة الجوانب * أما سد الفجوة، فالعمل بطريقة المشروع بمعنى أن تفرد الدوريات صفحاتها لمشروع نقدي يضم عددا من النقاد يتناولون الأعمال ويتابعون ما يصدر، وأن يتوقف مدّعو النقد عن تسويد صفحات لا قيمة لها، بل هي مجرد خواطر انطباعية لا علاقة لها بالنقد، فهم يزاحمون ويغتصبون مساحات لا هم تركوها للنقاد ولا هم أجادوا العمل فيها. ألا تشعر بغبن النقاد أمام سيل الجوائز التي تنهال على الروائيين والشعراء رغم الشراكة الإبداعية بينهم؟ * الجوائز العربية في معظمها تضل الطريق إلى الحقيقة، فكم من كاتب لا يتقدم للجوائز لأنه يراها مزاحمة تضر به أحيانا. * أحيانا أقابل نوايا المتقدمين للجوائز بابتسامة ساخرة فمن خلال تجربتي رأيت الكثير ممن توصلوا للجوائز ولم تصل هي إليهم لا لشيء إلا لأنهم يجيدون التربيطات. * لقد فقدت بعض الجوائز شرفها (الشرف لا يمكن شراؤه أو تعويضه) ولا أقصد هنا مطلقا ما توصم به بعض الجوائز بأنها مسيسة. الحقيقة، هناك جوائز للنقد ولكنها تحتاج إلى مراجعة لمواضعاتها وتدقيقا لآليات عملها، صحيح هي قليلة ولكنها مؤثرة. * أما الشعور بالغبن فهو موجود ولكني أعالجه بشيئين: الرهان على أن العمل الجيد سيفرض نفسه، لذا اهتم بالتجويد متمثلا المقولة التي أؤمن بها كثيرا: "ما كان بإمكان غيرك أن تفعله لا تفعله". اليقين أن العمل لا يُكتب لقارئ اليوم، وإنما سيجد قارئه في المستقبل، وهو ما يعني أن العدل الإلهي سيتحقق لا محالة في أن ينال حقه من العناية والطرح. دورك الثقافي هل يمكن مواجهة التطرف والإرهاب بالكتابة الإبداعية؟ وكيف يتم ذلك؟ وهل هناك نماذج على الساحة تقوم بهذا الدور؟ * يمكن بالطبع شريطة أن يكون للتعليم دوره وللجامعات وظيفتها وللإعلام مسؤولياته، فالثلاثة تلحقها الإدانة، على سبيل المثال كم مذيعا يقرأ ليقدم برنامجا ثقافيا، وكم صحفيا لديه مشروعه الإعلامي لتقديم منتج ثقافي جاد؟ هل النقاد قادرون على ملاحقة التسارع التقني؟ -ليس كثيرا، قليل هم النقاد الذين يستفيدون من تقنيات العصر، منذ سنوات كتبت عن "التكنوفهلوة " حيث يدعي البعض علاقتهم بالتكنولوجيا، ولا أقصد هنا فقط عملية استخدام التقنيات الحديثة في الاتصال وإنما أعني قراءة النصوص الجديدة (التفاعلية خاصة)، ومنذ سنوات أنشغل بقراءة هذه النصوص وأحلم بنقد يقوم على التعامل مع الصورة بوصفها نصا ومع شريط السينما والأغنية والفيديو كليب بوصفها نصوصا، وقد قدمت عددا من الدراسات حول: الكاريكاتير، صور الجرافيتي، النص التفاعلي، بعض مقاطع الفيديو، وتعاملت معها بوصفها نصوصا. متى يصبح لنقدنا العربي الحديث تأثير وصدى يمكن متابعته لدى الغرب؟ البداية من الجامعة، ثم من الإعلام، ثم من المؤسسة الثقافية والأدبية، تحرص الأولى على تقديم منتج يليق بثقافتنا العربية وبأمة علمت العالم يوما، وتحرص الثانية على القيام بدورها في انتخاب الأفضل وتقديمه، وتعمل الثالثة على وضع مشروعات تقوم على تقديم صناعة ثقافية ثقيلة (القيام بدور جاد للترجمة من وإلى العربية). المؤسسة الثقافية العربية تفتقد للمشروع، خلافا لمؤسسات قليلة وضعت نفسها في المقدمة عبر مشروعها أذكر منها على سبيل المثال: المجمع الثقافي (أبو ظبي) وقد قدمت الموسوعة الشعرية التي أعدها العمل الثقافي الالكتروني الأهم -مؤسسة عبد العزيز سعود البابطين للإبداع الشعري (الكويت) التي تطرح مشروعها الأهم لخدمة الشعر، وتبقى الرواية تفتقد لمشروع مماثل. يضاف لذلك النوادي الأدبية في المملكة العربية السعودية وأتابع مشروعات بعضها للنشر خاصة، خلافا لذلك ستجد عشرات من المؤسسات الحكومية معنية بإقامة أفراح ثقافية عشوائية ومؤتمرات تنتهي فور انفضاضها. مشاركتك الخليجية لديك مشاركات بحثية في الخليج، ماذا قدمت لها؟ وماذا لمست فيها؟ الخليج ينهض إبداعيا وحركة النشر القوية كان لا بد أن يكون لها أثرها في الحراك الثقافي العربي عامة والخليجي خاصة، قدمت دراسات عن شعراء وروائيين من السعودية والإمارات والكويت، والكويت خاصة تستأثر بالكثير من النشاط بحكم علاقتي العلمية والثقافية ببعض المؤسسات: (كتاب المغيب والمجسد في القصة القصيرة عند الدكتور سليمان الشطي، دراسة عن الرواية الكويتية ستصدر قريبا في كتاب مشترك عن الرواية الخليجية، المشاركة في معجم شعراء القرنين التاسع عشر والعشرين الصادر عن مؤسسة البابطين، المشاركة في عدد كبير من المؤتمرات الثقافية والأدبية التي احتضنتها الكويت). ما تقييمك للمشهد الإبداعي الروائي السعودي؟ مشهد واعد، تتسع مساحة الإبداع فيه كل عام، فقط يتطلب متابعة نقدية، ومشروع نقدي يقف على تفاصيله الثرية، ما بين أول مجموعة قصصية قرأتها في الثمانينيات (الحفلة لعبدالله باخشوين، ورواية جبل حالية، ورواية عتق لإبراهيم مضواح) يتقدم المشهد بقوة، وما بين الاثنين امتدت تجربتي مع الأدب السعودي عبر قائمة طويلة من المبدعين: (عبد العزيز مشري، غازي القصيبي، فهد العتيق، يوسف المحيميد، ليلى الجهني، أحمد دهمان، رجاء الصانع، يحيي أمقاسم، رجاء عالم، عواض العصيمي، عائشة الدوسري، هاني نقشبندي، محمد الثبيتي، عبد الوهاب فارس، محمد إبراهيم يعقوب) وغيرهم.