رئيس وزراء الحكومة الفرنسية السابق، دومنيك دو فيلبان، يعتبر من السياسيين الفرنسيين الأقرب إلى الثقافة وحب الشعر والفنون.. وهو الصديق المقرب لعدد من الفنانين والكتاب والشعراء والرسامين من بينهم الرسام العالمي الفرنسي من أصل صيني زاو يو كي. حيث ألف دومنيك دو فيلبان فيه كتابا يروي من خلاله علاقة الرسام بالشعراء، وكان عنوانه «زاو يو كي والشعراء»، صدر عن دار فلاماريون العام 2012. دومنيك دو فيلبان، رجل السياسة الفرنسية، ورجل ثقافة من طراز أول، يشارك في فعاليات ثقافية بفرنسا وخارجها وهو متحدث حذق في الثقافة وعارف بخباياها لكثرة صداقاته بالأدباء والرسامين والشعراء.. يحاضر في لقاءات ثقافية ومنتديات عالمية عن علاقته بالفنون والشعر بعيدا عن السياسة. «عكاظ» التقته في معرض عن الرسام زاو يو كي، حيث قدم محاضرة قيمة عن علاقة هذا الفنان العالمي بالشعراء وكيف أسس علاقة وطيدة بين الكتاب.. هذا نص الحوار: كيف هي علاقتك بالفنانين، هل تشعر بامتداد روحي تجاه العالم الفني؟ - في كثير من الأحيان، نغفل ذلك الجانب الذي يصرخ بداخلنا قوة، يبحث عن معرفة وعن بحث ننسى أن نتقاسمه مع الآخر، أيا كان ذاك الآخر. لا يمكن لفنان يتقاسم رسمه مع الآخر، الذي هو جمهوره، أن يغفل أو ينسى الشعور بما حوله، وصديقي الرسام زاو يو كي، كثيرا ما رفع لوحاته تخليدا لكتاب عرفهم مغمورين كانوا أو مرموقين.. الفن، في كل صوره، يجسر البعد ويخلق جسرا للتعارف والتشارك وقد لمست ذلك في لوحات زاو يو كي، الذي خلد روح ميشو في معرض أقامه له، وروح كلود موني وفاراز، وغيرهم من الأدباء.أعتقد أن الكثير من الصداقات مع شعراء وفنانين من كل أنحاء العالم تمنحنا الكثير في حياتنا، كالصديق الرسام أنسلم كيفر الذي هو صديق منذ فترة طويلة وميكيل بارسيلو، يان بى مينغ، هؤلاء الذين يواجهون الحياة بأعمالهم الخالدة. اللوحة البيضاء أنت الذي صاحبت الفنان العالمي زاو يو كي وغيره من الكتاب والأدباء.. كيف تقرأ ذلك العالم «المهووس» بالإبداع والخيال؟ - كثيرا ما شعرت من خلال صحبتي لهم، بتلك العلاقة البسيطة والقاسية. الممتعة والمتعبة. الخيالية والمبدعة.. كل ذلك نكتشفه في آن واحد أثناء احتكاكهم بأعمالهم سواء بنصوصهم أو بلوحاتهم. كنت أرقب زاو يو كي وأراقب يده وهي تلامس اللوحة البيضاء حين الفعل الأول الناشئ من فكرة، من واقع أو من خيال، وكيف تحط تلك الريشة على بياض اللوحة.. الفن يمد يد الصداقة، وقصيدة الشاعر تعزز ثقة الرسام في معرفة تحفته في قراءتها بمنظوره. عندما يكتشف الشاعر تحفة الرسام، تتفجر بداخل ذلك الشاعر الرغبة في ملامسة روعة الريشة وطيف الألوان ومن هنا تكون القراءة وتتجلى الكتابة وتأتي القصيدة.. فمثلا باكتشاف ميشو للأعمال الفنية للرسام الصيني، اكتشف صورة مخفية لإبداع يحمل الكثير من الرسائل لم يفصح عنها سوى قصائد ميشو الرائعة. فنظرة الآخر للعمل الفني أو الصورة الإبداعية، مغايرة عن نظرة الفنان نفسه لقطعته الفنية. ومن هنا تتأسس علاقة ثقة وترسخ علاقة تبادل وتشارك.. وهذا ما نفتقده في عصرنا هذا. المعالم المفقودة هل مصاحبة فنان تغير الكثير من المسارات، أو تعزز الحس الفني لدى الإنسان بشكل عام؟ - لنقل إن الإعجاب بفن ما هو في حد ذاته، العثور على معالم مفقودة أو ضائعة في أعماقنا. فالعثور على صداقة بهذا النوع، ودعم رفيق يقاسمك إبداعاته وهواجسه الفنية، قد ينير لك جزءا من الطريق ومن عالمك الغائر في أعماقك والذي عجزت عن فهمه أو التعبير عنه. وقد وجدت ذلك الحس عند صديقي زاو يو كي الذي كان باستمرار يبدي إنسانية وتواضعا قل نظيرهما. كان يجيد التعامل مع صداقاته ومع الآخرين بحس مرهف وبتواضع ملفت. فقربي من الفن، غير الكثير من رؤيتي لبعض الأمور.. جعلني أكتشف أن ما نملك من معرفة ومن إبداع وجمالية ليست ملكا لنا وليس من حقنا التحفظ عليها وسجنها ولكنها ملك الآخر الذي نقاسمه ذلك الجمال ببساطة، دون تحفظ أو تعقيد. هذه الثقة في الحياة بالرغم من الشكوك والصعوبات، تمنحنا القدرة على الاستمرار والحلم. فالإنسان لم يرضخ لتلك المحاكمات غير عادلة، واستفاد أكثر من تجارب الحياة. ومن الضروري أن نثق بالجمال المتأصل في الإنسان والنابع من الفن والثقافة والحياة. هو تعطشنا الدائم والمستمر لمواجهة التحديات ولصناعة هذا الجسر بين التقاليد والحداثة، بين الشرق والغرب. العمل السياسي كيف لك أن تصنع ذلك العالم الفني بعيدا عن الحياة السياسية؟ - كثيرا ما أفكر في عبارة لتشرشل عندما طلب منه خفض الاعتمادات الممنوحة للثقافة، أثناء الحروب، بالقول «ولماذا نحارب نحن؟». هناك شعور دائم بالاستياء في قلب العمل السياسي، لأننا نسعى باستمرار لتقديم الأفضل بدلا من الانغلاق في السياسة والتفرج على استياء الآخر ومحاولة البحث عن حلول مضنية، ترضي شغفنا بإرضاء الآخر ولكنها في الوقت نفسه تستجيب لمتطلبات العمل السياسي ولا تتخطى حدود بروتوكولاته. لطالما منحتنا الثقافة الأمل والحلم وهو ما تفتقر إليه السياسة. نحن بحاجة إلى استعادة الثقة بأنفسنا، وبغيرنا. بحاجة إلى فضاء نتنفس من خلاله والثقافة تمنحنا ذلك الفضاء الذي لا نجده في السياسة التي غالبا ما تبعث فينا اليأس واللا تسامح وتكتم أنفاسنا وتحيلنا إلى شاطىء المصلحة وإلغاء الآخر. السياسي والتعايش هل يمكن أن يأخذ السياسي فسحة ليحول خطابه إلى خطاب ثقافي؟ - الثقافة تنسينا أطر السياسة الضيقة الأفق.. والإجابات المقتضبة. علينا أن نوجد مساحات لتبادل الآراء.. ليحاور المثقف السياسي دون أن يتمسك السياسي بعقدة الحل، على النخب أن تحاور النخب بانفتاح وقبول الرأي الآخر واحترامه. وعلى السياسي أن يفسح مجاله في حرية وقبول للمثقف والنخبوي كي يفصح عن رأيه ليحدث التعايش وتستمر الحياة. السياسي هو النخبوي الذي يجب أن يرتقي لأرض المثقف وعليهم أن يتعايشوا وفق نظام ديمقراطي يكرس في الواقع.