أغلق معرض جدة للكتاب أبوابه ليثير الجدل حول الملايين من الريالات التي غنمها الناشرون من مبيعات كتبهم إلا أن المثقفين يرون أن المال عرضة للزوال وعدد الزوار من الشكليات التي يعتد بها القائمون على المعرض لتأكيد نجاحهم ليظل الرهان على القارئ الواعي وعلى أثر القراءة ودورها في الوعي المجتمعي العام والسلوك اليومي، مشددين على ضرورة القراءة وأثرها في الارتقاء بالسلوكيات اليومية لمجتمع متصالح ومتجانس. يتحفظ الروائي عمرو العامري على الخلط بين الوعي وبين افتراض أن القراءة تصنع وعيا، كما هو الفرق بين اقتناء الكتب وقراءتها ونوعيتها. وأضاف «السعوديون وبشهادة أكثر من صاحب دار عرض أكدوا أن الشعب السعودي هو الأكثر قراءة وأنهم يناقشونهم في مضمون الكتب ومحتوياتها بعلم ومعرفة»، لافتا إلى أن الوعي عمل مجتمعي تكرسه قوانين وتطبيقات ومؤسسات وأدوات عديدة يعد الكتاب أحدها إلا أن الكتاب بمعزل عن آليات المجتمع المدني التي تكرس لمجتمع متصالح ومتجانس وتقوم علاقاته على روابط اختيارية. وأضاف العامري: «أقول الكتاب وحده يغدو دوره محدودا وينحسر دوره في الجانب المعرفي. ولهذا أعتقد أننا كسعوديين نمتلك معارف ومعلومات جيدة لكن على مستوى الوعي ينقصنا الكثير جدا ويلاحظ هذا في سلوكياتنا اليومية وفي تعاملنا مع بعضنا ومع الآخر وحتى في تعاملنا مع المنجز الحضاري»، مؤكدا أن مجتمعنا بحاجة إلى تأصيل عميق لأدوات الوعي وبطرق واقعية و«مؤنسنة» أو إنسانية بعيدا عن التنظيرات والإنشائيات والاستعراضية». فيما يرى الإعلامي محمد الغامدي أن القضية ليست قضية عدد الزوار، ولا حجم المبيعات، ولا في الكتب التي تخاطفتها الأيدي في معرض جدة للكتاب إنما السؤال عن انعكاس اقتناء الكتب على وعي المجتمع، وعلى سلوكه، وأضاف حين نقول إن المبيعات بلغت رقما قياسيا وبفارق 30 مليونا عن معرض الرياض العام الماضي ونقف فرحين لذلك فإن هذا لا يساعد على التنمية، كون التنمية إن لم تكن في العقل والفكر فسنبقى مجرد مستهلكين، ولن تغير فينا ديكورات مكتباتنا الخاصة. لافتا إلى أن مجرد قراءة سريعة على السلوك البشري خارج المعرض وقتها، وأعني المكان تحديدا، ستلحظ أنك عندما اتجهت إلى المواقف لتركب سيارتك ستلحظ أن هناك سيارة تسد على سيارتك ما يضطرك إلى اانتظار حتى يتفضل عليك ذلك المثقف ويأتي ليزحزح سيارته عنك متغافلا عن أن الثقافة سلوك وليست مبيعات وأن احترام الأنظمة جزء من الثقافة، موضحا أن القراءة إن لم تغير في سلوكنا ليست قراءة بقدر ما هي استنزاف. وأبدى الغامدي تفاؤلا بالشباب الذين تغير سلوكهم، ليس بفعل القراءة بل بفعل الثورة الإلكترونية، وأضاف أتفاءل لأنهم سيستوعبون أن العملية هي عملية وعي وليس مجرد رص كتب ليتصوروا إلى جانبها في تويتر والسناب شات وغيرها من مواقع التواصل. ولهذا وعلى مدار سنوات معارض الكتاب لدينا لم أر تغيرا في السلوك إلا من قليل وهو بصيص ضوء. ويذهب القاص العباس معافا بعيدا عن التشاؤم مؤكدا أن ما تشهده المملكة من حراك ثقافي متمثلا في معرضي الكتاب في الرياضوجدة ما يعده الكثيرون انطلاقة خلاقة، إلا أننا لو توقفنا قليلا عند العدد الذي زار معرض جدة لوجدناه قليلا قياسا بعدد سكان المملكة المقدر بثلاثين مليون نسمة، ولا يمثل قيمة ضمن معطيات الحد الأدنى، وأضاف أن هناك تطورا في الوعي لدى الإنسان السعودي، إذ أن مجرد زيارته للمعرض تشكل انتفاضة على السائد والمتاح وتكشف عن الرغبة لديه في اقتناء كتاب وممارسة فعل القراءة ومن خلال ذلك نحن مقبلون على مرحلة متجاوزة، يستطيع الفرد منا أن يمتلك قيمة البحث والاختيار والامتلاك لما يريد أن يقرؤه، في زمن كنا نعاني فيه من أجل امتلاك كتاب، لافتا إلى أن المشهد يوحي بانطلاقة لمستقبل قرائي واع ومثمر، ليتشكل من خلاله وعي خاص لا ينازعنا فيه منازع .