لفتني منذ فترة انتشار العديد من اللوحات الإعلانية الضخمة على الخطوط السريعة، تحمل رسائل توعية من الهيئة الوطنية لمكافحة الفساد عن مضار الفساد، وهو تطور نوعي في جهود نزاهة لتوعيتنا وتثقيفنا دينيا، بعد نشرات توعوية دأبت على توزيعها في كل محفل طوال السنوات الماضية، وكنت أظنها توقفت بعد موجة النقد التي تعرضت لها تلك الرسائل. أمر آخر كنت أظن نزاهة توقفت عنه، عقد المؤتمرات البحثية والمحاضرات النظرية عن الفساد واستغلال المال العام، حتى أتتني رسالة جوالية عن ندوة جديدة تنظمها بعنوان «حطموا سلسلة الفساد» نهاية هذا الأسبوع بالرياض. بغض النظر عن احتياج ضوء الشمس إلى برهان، فقد تعلمنا أضرار الفساد وأصول النزاهة منذ كنا في الكتاتيب صغارا، علمونا أن الغش عورة وأن الفساد مضرة، سمعناه من منابرنا الدينية وإعلامنا حتى تشبعنا، ووصلنا إلى يقين أن الله يزع بالسلطان ما لا يزع بالقرآن، فضلا عن آيات القرآن والأحاديث الشريفة الداعية للأمانة والاستقامة، يكفي تذكر أن بعثته عليه الصلاة والسلام لإتمام مكارم الأخلاق، لذا وجدت نزاهة وغيرها من هيئات الرقابة لتكون سلطاننا المسلط على رأس الفاسدين، لا للبحث في أدبيات الفساد أو لإعطائنا محاضرات أخلاقية ووعظا دينيا. تساءلت بداية، هل لدى نزاهة ميزانية، بمعنى تمويل زائد لا تعرف كيف تستغله؟ ألا يمكنها استخدامه لزيادة كوادرها، وهي شكواها وتبريرها الدائم لتقصيرها. صحيح أن التوعية بالفساد أمر مهم، بيد أن الهيئة تبنته اعتسافا حيث له مختصوه ومن يحسنه أكثر منها، سواء من وزارات أخر كالشؤون الإسلامية والعدل والإعلام والثقافة، أو المنابر الأخر كالمساجد والمدارس والجامعات. كم منشور ومطوية ومحاضرة وندوة ومؤتمر وورش عمل عقدت نزاهة مقارنة بعدد من قدمت للمحاكم أو من أظهرت فسادهم، حتى تقاريرها السنوية، أضحت تقارير وصفية عامة تقف بمنتصف الطريق دون إكمال المهمة والتحلي بالشفافية التي هي مطلب ولي الأمر قبل المواطن، تحوي أرقاما ووقائع نعم، غير أنها تخلو من أسماء. تذكرون حجة رئيس نزاهة السابق، التي يبدو أن الحالي تبناها، اعتبار التشهير عقوبة متعدية، وكأن الهيئة تتبع حكومة أخرى ليس بها وزارات تشهر وتعلن عن الفسدة، منها وزارتا الداخلية بكل أفرعها والتجارة والصناعة، فهل الهيئة أحرص على أسرة الفاسد واسمه أن تتعدى إليه العقوبة، من الفاسد نفسه الذي غامر باسم أسرته وسمعة وطنه، هل يمكن، كما يقول أهلنا بمكة، أن تكون المولدة أحن من الوالدة، وبقية القول مذكور أعلاه.