ما زال رئيس هيئة مكافحة الفساد مصرا على موقفه القديم بعدم التشهير بالفاسد ويراها عقوبة متعدية إلى أسرته، كأني بمعاليه أكثر «حنانا» من الوالد والوالدة والمولدة على المولود، وبنفس منطقه فإن رأيه هذا يعتبر تعديا، فالتشهير ليس من اختصاصه وإنما للقاضي ناظر القضية، والمجاهرة بعدم التشهير، عدا أنه يعطي رسالة خاطئة للفسدة، يشجع غيرهم على المغامرة بسمعة أمة لا بسمعة أسرة واحدة فقط. وهو ليس بدعة فوزارات عدة تمارسه، التجارة تشهر بالغاشين من تجارها، العدل تعلن تنفيذ الحدود على مخالفي الشريعة والقوانين والأنظمة، والداخلية لديها قوائم معلنة بالمطلوبين أمنيا، فهل الهيئة، وهي المرتبطة رأسا بالملك، تعجز عما يقوم به غيرها، أم أن تعريفها للفسدة يخرجهم مما سبق؟ بحثت عن إنجازات الهيئة منذ إنشائها، فلم أجد سوى بضع تقارير مماثلة لتقارير ديوان المراقبة العامة وهيئة الرقابة والتحقيق، تقارير يمكن أن يقدمها مكتب سكرتاريا صغير لا جيش من الموظفين في مبنى ضخم كلف إيجاره 13 مليونا، دفعتها جهة يطالها عمل الهيئة، تقارير يغني عنها ما ترصده منظمات الشفافية العالمية عن الفساد بكل دول العالم. شغلتنا نزاهة طويلا بحملات وعظ عن مضار الفساد، كمطويات المساجد ونشرات الصحة الوقائية، برغم أن الوعظ والوقاية ليسا من مهامها، وعدتنا بتقديم دراسات عن أنواع الفساد وتعاريفه وأرقامه، ولم تقدم شيئا سوى مسابقات لتسلية جمهور المتضررين من الفساد، أخبرتنا أن الفساد يستغل ثغرات وتناقضات في الأنظمة، ولم نر جهدا لسد هذه الثغرات، أو حتى اقتراحا بإضافة أنظمة جديدة لمكافحة الفساد. إذا كانت الهيئة لا تأخذ بالتشهير، وليس لديها أدلة تدين الفاسدين، وهي مهمتها الأولى، ولم تقدم أحدا للقضاء حتى اليوم، وهو أهم أهدافها، فما هي طبيعة عملها وما هي آلياتها في مكافحة الفساد، هل فعلا هي مؤسسة رسمية تراقب مؤسسات رسمية مثلها، والأفضل أن تكون هيئة مستقلة، أم فعلا بتنا بحاجة لهيئة أهلية لمكافحة الفساد كبديل أو مكمل لها؟ [email protected]