في الوقت الذي تعتبر بعض الدول وبعض المدن الأمطار التي تسقط عليها نعمة أكرمهم الله بها تسهم في تنمية بلادهم واستصلاح أراضيهم الزراعية وتوسعة لرقعة أراضي الرعي لتربية المواشي وتغطية مساحات شاسعة في الأراضي والجبال والسهول بالورود الخضراء لتصبح مناطق سياحية لسكانها، إلا أن بعض الدول والمدن الأخرى تعتبر الأمطار نقمة على بلادهم وخطرا يهدد أرواح سكانها وممتلكاتهم. وبعض الدول استطاعت أن تحول الأمطار من كوارث على بلادها ومدنها وشعوبها من خلال مشاريع تنموية للاستفادة من الأمطار لزيادة المخزون المائي تحت الأرض، أو التعبئة لمخازن مياه طبيعية، أو لإنشاء بحيرات ضخمة واستزراع الأسماك فيها وبناء السدود عليها لتوليد الطاقة الكهربائية. وبناء على تقرير معهد الأمير سلطان لأبحاث البيئة والمياه والصحراء في جامعة الملك سعود أن مدينة جدة يتوقّع أن يزداد معدل الأمطار السنوي فيها هذا العام من 25 إلى 30 %، وذلك بسبب ما أحدثه الاحتباس الحراري على إيجاد جيوب من منخفضات في حزام الضغط الجوي العالي السائد بين خطي عرض 15 درجة و30 درجة شمال خط الاستواء، وهو ما يُتوقع المزيد من الأمطار المقلقة لأهالي جدة، ويعيد لهم ذاكرة أمطار عام 2009م رغم أن آخر أمطار نزلت قبل أسبوعين لم تتجاوز ربع كمية الأمطار في (2009) ومع الجهود الكبيرة التي بذلتها إمارة منطقة مكةالمكرمة في تنفيذ المرحلة الأولى من مشروع حماية جدة من السيول من خلال الأنفاق المائية التي تنقل السيول من شرق جدة إلى البحر، ولم يبق سوى معالجة قضية الصرف الصحي لتمرير المياه الراكدة بعد الأمطار في بعض الأحياء والشوارع. حيث إن 65 % من مدينة جدة بدون شبكات صرف. وأحد الاقتراحات لحلول بديلة هو بناء بحيرة شرق مدينة جدة على مساحة 25 × 25 كيلو مترا (إذا وجدت وإذا لم تكن مملوكة) بعمق 3 أمتار تغذى من مياه الأمطار سنوياً وتستخدم كمخزون مائي استراتيجي تحت الأرض ومخزن مائي لتغذية حدائق جدة وشوارعها، ويُبنى عليها وحولها مناطق زراعية تغذى بالمياه من البحيرة الاصطناعية. وبالإمكان أن تكون بحيرة ترفيهية لسكان جدة. وهي فكرة ليست خيالية وإنما منفذة في العديد من دول العالم ومنها البحيرة التي زرتها الأسبوع الماضي في جنوبالبرتغال بحيرة (الكيفا) والتي تعتبر أحد المشاريع العملاقة في البرتغال وأكبر بحيرة اصطناعية لتجميع مياه الأمطار واستزراع الأسماك وتوليد الطاقة الكهربائية.. وبلغت تكلفتها 4 مليارات يورو وبنيت في 4 سنوات وهي أكبر بحيرة اصطناعية في أوروبا إن لم تكن في العالم على مسافة خمسين كيلو مترا، ساهمت في الحفاظ على 200 مليار متر مكعب من المياه في خمس سنوات. وللتعرف على حجم وفكرة المشروع والبعد الاقتصادي لهذا المشروع رافقني أحد المسؤولين عن المشروع والذي أفادني بأن هذه البحيرة تؤمن الماء لمشاريع زراعية تتجاوز المائة كيلو متر لمدة أربع سنوات متواصلة لو لم تهطل الأمطار. ويُبنى على طرف البحيرة أكبر سد لتوليد الطاقة. وبدا التسويق للدول التي ترغب استزراع أراض زراعية لمنتجات خاصة بها ومن ضمنها المملكة العربية السعودية لاستزراع أراض زراعية خارج المملكة في البرتغال وذلك ضمن سياسة تأمين الأمن الغذائي للمملكة من خلال مشاريع الاستثمار الزراعي خارج المملكة. والمثال الثاني بحيرة (ديفون) على الحدود السويسرية بجوار جنيف على مساحة أربعة كيلو مترات مربعة حافظت على مياه الأمطار طوال العام، ومياه الثلوج في الصيف. والأمثلة عديدة. أليس هذا أولى من إهدار المياه في البحار ؟؟. إنني متأكد بأن عزيمة الأمير خالد الفيصل وبُعد نظره لمعالجة مشاكل جدة والاستفادة من تجارب الآخرين ستسفر على المدى الطويل في معالجة المشكلة والاستفادة من المياه اقتصادياً.