يناقش مجلس الشورى اليوم تقرير لجنة الاقتصاد والطاقة بشأن وثيقة خطة التنمية العاشرة المحدثة ومن ضمنها خطة الإنفاق على البحث وزيادة نسبة إنفاق القطاع الخاص من (17%) إلى (38%)، وسط معلومات أن الجامعات الوطنية وأكثر من 60 جهة في القطاع العام تتلقى دعما سنويا من مدينة الملك عبدالعزيز للعلوم والتقنية بحسب معايير تضعها حول جودة البحوث وبراءات الاختراع بالإضافة إلى العوائد المادية التي تحققها الجامعات من المشاريع التعاقدية مع القطاع الخاص والكراسي العلمية. باحثون أكاديميون استعرضوا الملف وطلبوا عبر «عكاظ» أهمية استمرار الدعم المقدم للبحث العلمي لتحقيق مفاهيم الاقتصاد القائم على المعرفة ومجتمع المعرفة، وتنمية موارد الجامعات والمراكز المتخصصة بتوسيع نطاق فرص استثمار القطاع الخاص للبحوث العلمية باعتبارها محورا هاما لتخفيف الأعباء على ميزانيات البحث في الجامعات والمراكز البحثية، وشددوا على أهمية وضع إستراتيجيات وخطط محفزة للتوسع في دعم استثمارات القطاع الخاص للبحوث العلمية وتمويلها. وفتحت «عكاظ» تحقيقاً رصدت فيه واقع البحث العلمي وآراء الجامعات والباحثين في الجامعات كما تناولت الميزانيات المرصودة والأبحاث المنجزة سنويا، ودور القطاع الخاص في دعم البحث العلمي. الدكتور خالد السلطان مدير جامعة الملك فهد للبترول والمعادن يرى أن الجامعة دعمت البحث العلمي على محورين، إنتاج عدد كاف من براءات الاختراع ذات المحتوى التقني العالي ما يمكن الجامعة من الانخراط بشكل جدي ومستدام في تطوير ونقل التقنية، ثم إطلاق وادي الظهران للتقنية كأول واد من نوعه في المنطقة بهدف إيجاد بيئة ابتكارية محفزة يتم من خلالها نقل وتنفيذ التقنية التي تحتويها براءات اختراع الجامعة، إضافة إلى اجتذاب شركات تقنية عالمية متخصصة في البحث والتطوير. فضلا عن أن جامعة الملك فهد للبترول والمعادن تملك ما نسبته 92% من براءات اختراع الجامعات السعودية المسجلة في دول أخرى، لافتا إلى أن براءات اختراع الجامعة تمثل ما نسبته 61.9% من إجمالي براءات اختراع الجامعات السعودية المسجلة في دول أخرى وفي مدينة الملك عبدالعزيز للعلوم والتقنية. أما بالنسبة لعدد طلبات تسجيل براءات اختراع الجامعات السعودية المنشورة من قبل مكتب تسجيل براءات الاختراع الأمريكي فإن التوزيع النسبي يظهر استحواذ الجامعة على 67.5% من إجمالي طلبات تسجيل براءات الاختراع المقدمة من الجامعات. على ذات الصعيد، أوضح الدكتور سهل عبدالجواد، وكيل جامعة الملك فهد للبترول والمعادن، أن ميزانية البحث العلمي تشكل ما يقارب 25% من ميزانية الجامعة أي قرابة 300 مليون ريال سنويا، ويضاف إليها دعم الخطة الوطنية للعلوم والتكنولوجيا والابتكار الذي يبلغ ما بين 30 إلى 40 مليون ريال سنويا. مضيفا أن مركز البحوث في الجامعة يقوم بالعديد من الدراسات التطبيقية لكبرى الشركات الصناعية مثل أرامكو وسابك، وتصل عوائد المشاريع التعاقدية لإنتاج هذه البحوث إلى قرابة 150 مليون ريال سنويا. وحول حجم النتاج البحثي، أشار الدكتور عبدالجواد إلى أن الجامعة نشرت ما يقارب 900 بحث علمي مسجل في الدليل العالمي لتصنيف الأبحاث العلمية، مضيفا أن إنتاج التقنية يتطلب براءة اختراع، وفي هذا المجال تنتج جامعة الملك فهد 60% من إجمالي براءات الاختراع في جامعات العالم العربي المسجلة في الولاياتالمتحدة، وتنتج الجامعة في حدود 100 براءة اختراع سنويا، ويسوق منها قرابة 5% على هيئة مواد مصنعة وتقنيات ومشاريع ضخمة تتبناها كبرى الشركات، وسوف تكون في المستقبل ذات مردود عال ومن أكبر مصادر الدخل. الدكتور عبدالجواد أضاف أن الكراسي العلمية في الجامعة تخضع لمعايير واشتراطات محددة، وتصل أعدادها إلى 20 كرسيا حاليا، ودخل الكرسي يفوق ال3 ملايين ريال سنويا، مؤملا استمرار الدعم المادي للبحث العلمي لجذب المزيد من الاستثمارات والشراكات مع القطاع الخاص والوصول لمردود كاف لتحقيق أهداف وتطلعات نتائج البحوث وانعكاسها على التنمية المستدامة. شريك في التطوير حول اهتمام القطاع الخاص بدعم البحث العلمي، ذكر المهندس عبدالمحسن الفرج عضو مجلس إدارة غرفة الشرقية، أن القطاع الخاص شريك أساسي في تطوير البحوث العلمية في الجامعات، لافتا إلى أن العديد من الكراسي البحثية في الجامعات السعودية يتم تمويلها بواسطة القطاع الخاص، مشيرا إلى أن القطاع الخاص يدرك أهمية البحث العلمية سواء في المرحلة الراهنة او المستقبل، مضيفا، ان جامعة الملك فهد للبترول و المعادن وكذلك جامعة الدمام وغيرها من الجامعات تضم العديد من الكراسي العلمية الممولة من القطاع الخاص، مؤكدا في الوقت نفسه على أهمية دعم المزيد من الكراسي العلمية في المستقبل، خصوصا أن الدول المتقدمة تخصص موازنة ضخمة لتمويل البحوث العلمية كما تعمد الشركات الكبرى في العالم على تخصيص موارد مالية كبرى لاستمرار البحوث العلمية باعتبارها الوقود الداعم لمسيرة تقدمها في مختلف المجالات. بحث عن ضمان الأرباح وكيل جامعة الملك سعود للبحث العلمي، الدكتور أحمد العامري، قال إن المبلغ الفعلي الذي تنفقه الجامعة على البحث العلمي يصل إلى 80 مليون ريال سنويا. مشيرا إلى أن الخطة الوطنية، التي تديرها مدينة الملك عبدالعزيز للعلوم والتقنية، توفر الدعم الأكبر للبحث العلمي في الجامعة ويقدر ب 300 مليون ريال سنويا وهو ما يشكل قرابة 46% من إجمالي الدعم الذي تقدمه خطة المدينة والمقدم لأكثر من 60 جهة في عدة قطاعات، فيما تصل الإيرادات الذاتية من البحث العلمي في 120 إلى 150 مليون ريال، أي يصل ما يصرف على البحث العلمي من الأوجه المختلفة في حدود نصف مليار ريال سنويا. وأضاف أن عدد النشر العلمي بلغ 3 آلاف ورقة بحثية مصنفة في دليل البحث العلمي سنويا و3 آلاف ورقة بحثية غير مصنفة، وبلغ إجمالي براءات الاختراع قرابة 400 براءة اختراع موثقة، ويصل معدل براءات الاختراع في حدود ال60 براءة اختراع سنويا، مؤكدا أن الجامعة تعتبر من ضمن نادي «المائة» جامعة الأولى على مستوى العالم فيما يتعلق بتسجيل براءات الاختراع. تجربة أوهايو الأمريكية عن واقع البحث العلمي تحدث العامري مؤكدا أن ما يصرف على البحث العلمي يكاد لا يذكر مقارنة بالجامعات العالمية، واستشهد بجامعة ولاية أوهايو الأمريكية التي تعد في نفس حجم جامعة الملك سعود من حيث تعداد الطلاب وأعضاء هيئة التدريس، ولكن حجم ما تنفقه على البحث العلمي بلغ مليار دولار وإنتاجها البحثي يصل إلى ضعف ما تنتجه جامعة الملك سعود التي تبلغ ميزانيتها 15% فقط من ميزانية جامعة أوهايو، ولذلك يعتبر معدل إنتاج وكفاءة البحوث في جامعة الملك سعود جيدا مقابل حجم الدعم المحدود الذي تتلقاه الجامعة مقارنة بجامعة مثل أوهايو. وأردف قائلا «إذا أردنا أن يكون للجامعات دور فاعل في تنمية الاقتصاد الوطني وتحقيق التنمية المستدامة على غرار ما يقدم في الجامعات العالمية، فهناك ضرورة ملحة لمضاعفة ما ينفق على البحث العلمي لزيادة فرص الإقبال على الاستثمار وتحقيق الشراكات مع القطاع الخاص». من جانبه، أوضح الدكتور عبدالعزيز العقيلي أستاذ علم الثديات والباحث الأكاديمي في جامعة الملك سعود، أن البحث العلمي في تقدم ملحوظ ومتميز في السنوات الأخيرة نتيجة الدعم السخي من الحكومة للجامعات ومراكز الأبحاث، وشهد تزايدا سنويا في كثافة النشر البحثي كما ونوعا وهو نتيجة للدعم الإضافي الذي تقدمه مدينة الملك عبدالعزيز للعلوم والتقنية من برامج مختلفة للباحثين، وهي المشاريع الصغيرة ومشاريع المنح الكبيرة وكذلك دعم المشاريع المرتبطة بالخطة الوطنية للمملكة للقيام بأبحاث ذات أولوية وطنية قصوى وبتحكيم دولي بعيد عن العواطف أو المجاملات، بالإضافة إلى التعاون مع المؤسسات والجامعات الدولية بهدف التبادل المعرفي ونقل التقنية. كما انصب جزء من الحركة البحثية والدعم البحثي المتعلق بمدينة الملك عبدالعزيز للعلوم والتقنية لطلاب الدراسات العليا وطلاب البكالوريوس الذين يعتبرون نواة مستقبلية لجيل من الباحثين يكمل مسيرة من سبقوهم، ولذلك شرعت الجامعات ومدينة الملك عبدالعزيز في إعداد برامج تمويلية مخصصة للطلاب فقط تحفيزا وتشجيعا لهم للقيام بأبحاث نوعية، مما يمكنهم من تامين التجهيزات والمواد اللازمة لتلك الأبحاث في حال عدم توفرها مع فرص للحصول على تدريب خارجي في الجامعات ومراكز الأبحاث الدولية المتقدمة. فرض رسوم جمركية عميد البحث العلمي في جامعة طيبة الدكتور صالح نعمان العمري، شدد على ضرورة فرض رسوم جمركية على القطاع الخاص ليخصص ريعها للأبحاث العلمية في الجامعات والمراكز المتخصصة لتشكل دعما كبيرا للبحث العلمي. مشيرا إلى أن غالبية الأساتذة الجامعيين يقتصرون فائدة البحث على الحرص على النشر في المجلات العلمية بغرض الحصول على الترقيات، دون النظر إلى الاستفادة من نتائج هذه الأبحاث وتحويلها إلى نتائج عملية ليستفيد منها المجتمع. وقال إن الميزانيات المعتمدة للبحث العلمي غير كافية وبحاجة إلى زيادتها مؤكدا على أهمية دعم المراكز البحثية وما يشكله من دعم للاقتصاد الوطني. ونوه العمري بأن نسبة الأبحاث العلمية التي تحول إلى نتائج عملية لا تتجاوز 4% لأن القطاع الخاص لا يشجع ولا يدعم هذه الأبحاث ولا يقوم بتطوير منتجاته، مطالبا بفرض ضريبة على القطاع الخاص يعود ريعها للأبحاث العلمية لإيجاد مراكز بحثية لتطوير المنتجات في الجامعات والشركات لتوطين الصناعات بدلا من استيرادها. نقلة جيدة .. ولكن على ذات الجانب أفاد الدكتور ثامر الحربي وكيل جامعة أم القرى للبحث العلمي، أن ميزانية البحث العلمي في الجامعة محدودة ولا تتجاوز 16 مليون ريال سنويا يضاف إليها الدعم القادم من مدينة الملك عبدالعزيز والتقنية. وأضاف أن البحث العلمي في جامعة أم القرى مقبل على نقلة جيدة بعد تأسيس عمادة للبحث العلمي مؤخرا، ولدينا توجهات للارتقاء بالبحث العلمي النوعي، كاشفا عن خطة الجامعة في دعم وتطوير البحث العلمي على عدة مسارات منها تحفيز الباحثين العائدين من الابتعاث الخارجي، وتوثيق الشراكات مع القطاع الخاص والكراسي العلمية لتنويع مصادر الدعم، معتبرا أن دعم البحث العلمي مطلب وطني لتحقيق التنمية المستدامة ومجتمع المعرفة. مصداقية لخطط التسويق تمكنت جامعة البترول -طبقا للدكتور السلطان- من اجتذاب كبرى شركات التقنية العالمية إلى وادي الظهران للتقنية، حيث يشير كثير من الخبراء إلى أن الوادي سيصبح أكبر تجمع على مستوى العالم لشركات البحث والتطوير المتخصصة في استكشاف واستخراج الغاز والنفط والمجالات التقنية الأخرى المرتبطة بهما، وأثبتت النتائج أن النمو المطرد والمتسارع في عدد براءات اختراع الجامعة ساهم في إعطاء المصداقية اللازمة لخطط التسويق التي قامت بها الجامعة من أجل اجتذاب الشركات العالمية لوادي الظهران للتقنية. تجربة مريرة مع «جامعة تخترع» وكيل جامعة الملك سعود أوضح أن الجامعة أقامت العام الماضي منتدى مخصصا للاختراعات والمواد المصنعة من البحوث بعنوان «جامعة تخترع»، ودعت الجامعة العديد من شركات القطاع الخاص ولكن المنتدى لم يجد تفاعلا كبيرا من المستثمرين، مضيفا أن رجال الأعمال يبحثون عن أرباح مضمونة والكثير منهم يخشى من المنتجات المعرفية لأن نسبة فشلها قد تكون مرتفعة. تحرير الأبحاث من النظام المالي الأستاذ الجامعي العقيلي اقترح ضرورة توجيه الأبحاث نحو مواضيع تطبيقية ذات أولوية قصوى للوطن، وإنشاء مختبرات مركزية في الجامعات توفيرا للهدر المالي عند شراء عدد من الأقسام أو الباحثين لنفس الأجهزة عالية السعر، وبالتالي زيادة تكلفة تشغيلها مقارنة بعدد العينات وصعوبة تحديثها أو استبدالها لاحقا، كما أنها توفر فرصا وظيفية للشباب السعوديين وتمكن الجامعات من توفير تقنيات أخرى من الوفر المالي عند تطبيق هذه الطريقة، منوها بأهمية تحرير النظام المالي المخصص للأبحاث من النظام المالي المتبع حاليا، كونه يمنع الباحث من الشراء المباشر -على سبيل المثال- ويضطره للحصول على عروض أسعار من موردين يبالغون بالأسعار مقارنة بأسعار الشركة الأم.