«من الرقة إلى إدلب» ليس عنوانا لرحلة سياحية ولا عنوانا لقصة من قصص الرحالة والمكتشفين، بل هي تصلح عنوانا لقصة شابين سوريين هربا من داعش بعد التغرير بهما واكتشافهما لخبايا صادمة لهذا التنظيم الارهابي الذي يتخذ من الإسلام ستارا لا بل هدفا لتشويه قيم هذا الدين ومبادئه. «توفيق وياسر» شابان من سوريا ما روياه ل «عكاظ» قد لا يختلف كثيرا عن قصص الآلاف من الشباب السوري الذين لا يجرؤون على روايتها فلقد اعتاد الناس على سماع قصص الاغتصاب والسبي والقتل وقطع الرؤوس لكن «قهر الرجال» انفسهم، الرجال المقهورون لا يجرؤون على روايته. «توفيق وياسر» كسرا عبر «عكاظ» حاجز الخوف والخجل وقررا سرد حكاية داعش وقهر الرجال، قررا رواية ما حصل لعلها تسقط عن السوريين وثورتهم صفة الإرهاب. «توفيق» وهو شاب ولد في قرية تفتناز في إدلب ويبلغ من العمر 22 سنة كان سباقا في رواية ما حصل ولكن قبل أن يبدأ كان السؤال بديهيا منا: «لماذا تخفي وجهك في الصورة؟ هل تخشى أحدا؟» ودون تردد أجابنا فقال: «إدلب أخرجت داعش من كل قراها لكن ما زالت موجودة ببعض الأذناب الذين كانوا قبل الثورة عملاء للنظام وشبيحته، داعش في إدلب ليس لها مكان أو مقر لكنها موجودة بعمليات الاغتيال والسيارات المفخخة، من هنا فإن ما سأقوله ربما يشكل خطرا على حياتي». .. «دعنا من القناع ولنبدأ سماع الحكاية»، بتلك الجملة قطعت السجال ليبدأ توفيق بالحديث: «عندما بدأت الثورة كنت أعمل بالأرض مع والدي فنحن نزرع الزيتون والفاكهة وكنت أعيش كما يعيش كل شباب قريتنا من الزراعة من دون أحلام وآمال، فالأوضاع المالية كانت صعبة للغاية، وفي العام 2012 كنت أنقل محصول الزيتون الى معصرة في قرية دركوش وهناك أوقفني حاجز من الشبيحة وتم اعتقالي وتعرضت للضرب لأكثر من أسبوع ولم يفرج عني إلا بعدما دفع والدي ما يقارب الثلاث مئة ألف ليرة سورية، ففي حينه كان مبلغا مرتفعا قبل هبوط قيمة الليرة السورية، وعندما عدت الى المنزل اتخذت قرار الانضمام الى الجيش الحر والثوار لأنني أدركت خلال اعتقالي أنها حرب علينا وعلى ديننا وأعراضنا». وتابع قائلا: «انتسبت بداية الى فصيل ثوري تابع للجيش الحر اسمه لواء يوسف العظم وخضنا معارك وحررنا العديد من القرى والبلدات، وفجأة توقف الدعم لهذا اللواء فانفرط عقده وتوزعت عناصره على الفصائل الاخرى وبدأنا نسمع بداعش وفي احدى المرات التقيت صديقا لي كان قد انتسب الى داعش فسألته عن سبب انتسابه فقال لي جملة واحدة «اللحم والمال». وعندما استفسرت عن معنى ذلك قال لي: «داعش تؤمن لنا النساء والراتب الجيد، وأخبرني أنه كان يحصل على مئة دولار شهريا وهو مبلغ كبير بالنسبة لنا في سوريا، هذه المعطيات إضافة الى أننا وبعد انفراط لواء يوسف العظم بتنا من دون أي عمل، فقررت الانتساب لداعش فتوجهت الى مقرهم في «كفرتخاريم» وانتسبت اليهم، وبعد اسبوع من الدروس الدينية نقلت الى الرقة حيث بدأت رحلة العذاب». يبتلع توفيق ريقه وسط غصة طغت على صوته ويقول: «عندما وصلنا إلى الرقة استقبلنا شخص عراقي بملامح قاسية، وبدأنا تدريبا قاسيا لمدة عشرة أيام ثم بدأت رواية اللحم والمال، فمنحت ثيابا شرعية جديدة وحذاء جديدا وهاتفا جوالا ومئة دولار عن الفترة التدريبية إلا أن اللحم الذي وعدت به لم أحصل عليها، فيما كان معنا شاب من حمص شاهدت آلامه بعيني، هذا الشاب تم اغتصابه من قبل المسؤول العراقي وتم تصويره وهو يغتصب وكل فترة كان يجري تهديده بالشريط المصور وأنه سيتم نشره على وسائل التواصل وبين النازحين من قريته وكان يطيعهم خوفا من الفضيحة، وعندما استفسرت من بعض الزملاء عن ذلك قالوا لي إن هذا الشيء حصل مع الكثير من الشبان المنتسبين لداعش بخاصة صغار السن منهم، وأصحاب البشرة البيضاء». يصمت توفيق ثم يتابع: «الطعام والهاتف كانا يستعملان لإغواء ضعاف النفوس من الشباب، كنا نضرب عند التخلف عن صلاة الفجر جماعة فيما أمير المعسكر لم يكن يصلي بل كانوا يحضرون له النساء بشكل شبه يومي، وهناك أيضا أشخاص غير سوريين يسيطرون على كل شيء وليس لأي سوري سلطة معتبرة في داعش». قصة ياسر لا تختلف عن قصة توفيق كثيرا إلا أنها تتميز في بعض المحطات فيقول: «بعدما انهيت الدورة التدريبية في الرقة وكانت دورة قاسية للغاية حيث إن الأهداف التي كنا نتدرب عليها في الرماية هي لأشخاص أحياء لا نعرف سبب اعتقالهم». ويتابع ياسر: «بعد الدورة استدعاني المسؤول عن المعسكر وقال لي أنت من إدلب وفي حياتك لم تتعرف على امرأة من خارج قريتكم وأنا سأزوجك امرأة أردنية هي زوجة شهيد وهذا سيكون فخر لك». ويضيف: «نظرت الى عينيه فأدركت انه لا يمكنني الرفض وبالفعل بعد يومين تم تزويجي بها، لقد كانت تكبرني في السنوات وكان لديها ثلاثة اطفال، للأسف هي ضحية كما أنا كنت ضحية، فالزواج في داعش أصناف، فمن يتزوج أرملة شهيد يحصل على منزل ومنحة مالية وثياب جديدة». يصمت ثم يقول: «بعد شهر على زواجي استدعاني المسؤول نفسه وطلب مني تطليق من تزوجتها، فلم أجرؤ على الرفض ولا على معرفة سبب الطلاق، فرميت عليها الطلاق أمامه وأمام شخص آخر أظنه رجل دين». أكثر القصص التي يرويها ياسر غرابة عن داعش هي العلاقة التي تربط داعش بإيران والنظام فيقول: «كانت كل التوجيهات والتعبئة تقوم على أن الجيش الحر وباقي الفصائل هم كفرة ومرتدون وعملاء لأمريكا ويجب القضاء عليهم قبل النظام لأن خطرهم أكبر، وذات مرة خلال دورية لنا في ريف الرقة اصطدمنا مع حاجز للنظام وكان موجود فيه ضابط إيراني كما علمنا لاحقا فاشتبكنا مع الحاجز وتمكنا من قتل وجرح كل عناصره وعندما عدنا للمعسكر كنا نعتقد اننا سنحصل على مكافأة لكن المفاجأة كانت أن المسؤول طلب اعتقالنا ومعاقبتنا وكان مصرا أن يعرف من قتل الضابط الإيراني وحينها عرفنا أن من بين الذين قتلوا هو ضابط إيراني ولاحقا تم اعدام شاب من المجموعة بتهمة الخيانة والحقيقة أنه أعدم لأنه قتل الضابط الإيراني». توفيق يعود للكلام ليروي لحظة الهروب من داعش فيقول ل «عكاظ»: «طلب مرة منا أن نذهب إلى موقع متقدم في إحدى البلدات وبالفعل توجهنا وكنا ما يقارب العشرة اشخاص، بعد ساعات تعرض موقعنا لغارة لم نعرف هويتها كانت غارة جوية مرعبة قتل منا ما يقارب الستة اشخاص فيما نحن لم نستطع أن نفعل شيئا وحينها أدركنا أنها اللحظة المناسبة للهرب، لقد رأينا ما لا يمكن توقعه ولقد أدركنا أننا كنا مخطئين». داعشي يبيع ثياب أطفاله في مدينة بنش أخبرنا عن رجل انشق عن تنظيم داعش قصدناه لمعرفة قصة انفصاله وعندما وصلنا سائلين عنه في أحد الأحياء أشار علينا شخص الى طاولة وضعت عليها ثياب قديمة قائلا لنا: «هو صاحب هذه البسطة». توجهنا إليه فرفض التصريح والكلام قائلا: «يكفيني ما أصابني» ورغم إلحاحنا فقد تمسك بالصمت وعندما دب اليأس في نفوسنا توجهنا الى السيارة عائدين أدراجنا فإذا به يصرخ قائلا: «صور هذه الطاولة ما عليها هو ثياب عائلتي لقد أخرجتها اليوم لأبيعها لأطعمهم وأؤمن لهم ما يحتاجونه من طعام وخبز، لقد قضت داعش على كل شيء لقد أتوا ليساعدوا النظام على القضاء على الشعب السوري». قبور وشهود على تخوم الفوعة وكفريا والى جانب الاوتوستراد الدولي الذي قطع بصخور ضخمة كاشارة الى خط التماس الفاصل بين القريتين ومحيطهما، كانت هناك مقبرة فيها الكثير من الأضرحة لأهل القرى الذين ماتوا او استشهدوا الا ان اللافت في كل تلك الاضرحة قبور حملت علم الثورة السورية فكانت بذلك متميزة عن كل القبور. الفضول الصحفي جعلنا نتجه نحوها بخاصة ان نسوة اتشحن بالسواد كن يقفن قربها.. «السلام عليكم» بتلك الكلمة اطلقنا الحديث معهن حيث أظهرن ترددهن في رد التحية او في الظهور بالصورة لتي التقطناها خلسة مبررين ذلك بالرغبة الصحفية. (سعدى) احدى تلك النسوة كانت اجرأ في الكلام فقالت «نحن نأتي الى هنا منذ حصول اتفاق الهدنة لكي نزور زوجي وشقيقي ووالدي فالثلاثة قتلوا على ايدي الميليشيات الايرانية وحزب الله في مواجهات الفوعة وكفريا. لقد ذهب رجالنا كي يدافعوا عن اعراضنا واستشهدوا وهم يدافعون، نحن نأتي الى هنا لاننا مشتاقون لهم ولكي لا ننسى التضحيات التي قدموها، كنا نعيش بأمن وامان قبل ان يأتي الايرانيون الى هنا زارعين الطائفية والمذهبية، كان الشيعة والسنة عائلة واحدة وبسبب الايرانيين ها هم يتقاتلون، لدي صديقات في الفوعة وكفريا كنا نزور بعضنا والان لا اعلم عنهن شيئا». واضافت «اتمنى أن التقي بهن فلا حقد في قلوبنا عليهم وننحن ندرك انهم ضحية للايرانيين كما نحن ضحايا لهم، الايرانيون مصيرهم ان يرحلوا عن ارضنا ومصيرنا ان نستعيد السلام بيننا ويجب ان نتجاوز كل شيء لنعود للعيش بمحبة ووئام وتجمعنا الالفة التي لطالما كانت بيننا».