الوطن السعودية "سأزور إدلب في وقت قريب. عودتي سالمة من هناك ستكون برهانا على أننا ما زلنا قبل كل شيء سوريين.. طبعا إن لم أمت تحت براميل النظام، حيث إنه يستعد لقصف جوي شامل هناك" يحتدم "الفيسبوك" السوري منذ أيام بنقاشات محمومة حول "تحرير" مدينة إدلب من قوات النظام بعد خضوع المدينة لسيطرة جبهة النصرة وكتائب أحرار الشام وغيرها من الفرق الإسلامية المقاتلة وبعض بقايا الجيش الحر كما ذكرت المصادر. وفي ظل الجدل الدائر، وكعادتي الشريرة في طرح الأسئلة المستفزة للحوار، نشرت على صفحتي الزرقاء السؤال التالي: "هل تسمح جبهة النصرة لنا جميعا بالعودة إلى إدلب؟ "ثم تلوته بسؤال آخر: أرغب بزيارة إدلب، ما رأيكم؟". تساؤلات بريئة أردت من خلالها أن أعرف إن كان بإمكاني كمعارضة "علوية" زيارة إدلب والبقاء فيها لعدة أيام لأنني فعلا أرغب في ذلك، إلا أن السؤال تجاوز حدود براءتي وفتح المجال واسعا للجدل والانقسام بين زوار صفحتي الكثر، شهدت صفحتي اصطفافين: الأول ابتهج بالتحرير وشجعني على الزيارة تحت حماية عناصر من الجيش الحر وحتى من "النصرة"، وآخر امتعض وحذرني من المخاطر المحدقة بهكذا مغامرة يمكن أن تؤدي بي إلى الموت قتلا حسب قولهم، معتبرين أن "النصرة" هي ذراع آخر ل"القاعدة"، وأنها تقتل كل مخالف لعقيدتها ولا سيما "العلويين والدروز والإسماعيليين والعلمانيين من السنة". ما أثار سعادتي ضمن هذه التراجيديا السورية الشائعة هو الترحاب والتأييد الذي لاقته فكرة زيارتي من قبل بعض المتمردين المسلحين وأهل المدينة أنفسهم، أولئك المتهمون ب"الطائفية" من قبل النظام السوري وعموم السوريين بمن فيهم المعارضون، وبروباغندا الإعلام الغربي، وحتى أنا في بعض اللحظات، فما لمسته عبر ردود فعل معظم السوريين الموجودين في الداخل يختلف كليا عن الأصوات الطائفية البغيضة والنكراء التي تهيمن على مواقع التواصل الاجتماعي وبعض وسائل إعلام المعارضة الخارجية، وكأن الفريقان ينتميان إلى عالمين مختلفين، أحدهما حقيقي ناصع، والآخر مخترع، مختلق، مخترق وقاتم. لا أريد المبالغة في تفاؤلي، فالموتورون والمرضى موجودون في كل زمان ومكان، بحرب أو بدون حرب، إنهم هناك يختبئون خلف أصابعهم المطلية بدم الفتنة الطازج، يشعلون النيران والحرائق ثم يختبئون كخفافيش الظلام، يقتلها الضوء القادم، ولا أريد أن أنكر يأسي في كثير من اللحظات من إمكانية استعادة روح الثورة الحقيقية ولحم الجراح السورية المفتوحة على الألم والقتل والتشريد والاعتقالات العشوائية وألاعيب ولاية الفقيه ورجال الدين المتطرفين وصناع القرار العالمي لإذكاء نار "الفتنة" مجددا، فقد اعتدت، على مدى ثلاث سنوات في المنفى، على تلقي الصفعات والشتائم والتهديدات من شبيحة النظام وشبيحة الثورة الطائفيين في آن واحد. سؤالي الافتراضي في ذاك اليوم عن إمكانية عودتي إلى إدلب أعاد لي بعض الأمل، هناك بقي السوريون سوريين.. لم يتشوهوا.. لم تمسخ قنابل النظام والفتن المستوردة والخطابات المسمومة وقنوات الفتنة أرواحهم النبيلة، وحده الفيسبوك كان طائفيا، شريرا، حاقدا، وخادعا مليئا بخفافيش الظلام وأشباح الشاشات الإلكترونية، تلك التي دفعوا ثمنها من أموال يتامى الثورة، ودماء السوريين النازفة من جميع الأطراف. سماح مقاتلي "النصرة" برفع علم الثورة السورية إلى جانب العلم الأسود في إدلب كان مؤشرا مطمئنا للبعض، ورغم إهداء أحد مقاتلي "النصرة" الانتصار إلى جميع الفصائل المعارضة، بما فيها "أشقاؤنا في دولة الإسلام" كما قال في لقاء متلفز، أصر البعض على أنه خطأ فردي، وأن لا علاقة تجمع "النصرة" ب"داعش"، مؤكدين أن "داعش" يذبح كل الطوائف التي كفرها ابن تيمية في فتواه الشهيرة دون أدنى تردد بتهمة الردة، فيما تبدو جبهة النصرة أكثر رحمة إذا قسناها ب"داعش"، إذ إنها تفرض القوانين الشرعية الصارمة -حسب مفهومها- على الأراضي التي تسيطر عليها، وتعفو عن جميع الطوائف بما فيها "العلويون"، شريطة التزامهم بالشرع الإسلامي والتوبة عن "ضلالهم" والعودة إلى الدين الحق، وهو أيضا ما أكده لي شخص راسلني عبر "فيسبوك" زاعما أنه من قياديي "النصرة"، وضامنا سلامتي هناك شريطة أن أضع الحجاب الشرعي وأن أصطحب محرما! فهم لا يؤذون الأحرار والمسلمين، على حد قوله. البعض الآخر من معارضي "الفيسبوك" يرى في "النصرة" وجها آخر ل"داعش" و"القاعدة"، مؤكدا أنها ارتكبت جرائم بحق أبناء الأقليات و"السنة" العلمانيين في ريف اللاذقية وعدرا وغيرها، ولا يرى أي فرصة لإحلال نظام مدني ديموقراطي بوجودها، كما ينفي أي وجود مؤثر للجيش الحر المعتدل الذي تمزق وتبعثر بفعل عزوف بعض القوى الدولية والإقليمية عن دعمهم لصالح الإسلاميين والمتطرفين، ويخشون من اتفاقية تسلم من خلالها النصرة إدلب لتنظيم داعش، كما حدث في الرقة على حد قول الناشطين هناك. أنا، سأزور إدلب في وقت قريب، عودتي سالمة من هناك ستكون برهانا على أننا ما زلنا قبل كل شيء سوريين.. طبعا إن لم أمت تحت براميل النظام الطائرة، حيث إنه يستعد لقصف جوي شامل هناك، حسبما يروج إعلامه منذ أيام. وقبل أن أمضي اسمحوا أي أن استغل "الفيسبوك" اللعين لنشر هذا "البوست" الذي كتبه شاب سوري "علوي" يمضي خدمته الإلزامية في جيش النظام مرغما على حمل البندقية في وجه إخوته في الوطن، معلقا على تحرير إدلب: "اليوم في معارك إدلب واندحار النظام حاول بعض سكان بلدتي الفوعة وكفريا الهروب من المعارك لأنهم أدركوا أنه لو خسر النظام في مدينة إدلب فستكون الفوعة وكفريا مطوقتين تماما من المحيط السني الذين هم وحدهم ناصبوه العداء منذ البداية، لا بل لم يتوقفوا يوما في رمي القذائف المدفعية عليه، ما تسبب باستشهاد العشرات. اليوم تأتي الأخبار عن أهل الفوعة وكفريا الذين هاموا في الأرض هربا وخوفا من سقوط إدلب في أيدي الثوار.. بالطبع لم ولن تنقذهم إيران في مثل هذه الظروف، ولن يهب حسن نصر الله المختبئ في الضاحية لنجدتهم.. لن يسمعهم الحوثي في اليمن.. حتى النظام نفسه سوف يتخلى عنهم وهو المعروف بتخليه عن ضباطه وجنوده أسرى في أيدي الثوار وعدم محاولته إنقاذهم.. هذا هو حال بلدتي نبل والزهراء في حلب أيضا.. لن تأت "قم" ولن يأتي الحوثي ولن تأتي الضاحية لإنقاذهم.. هم من قرروا أن يكونوا حوثيي إدلب وضد الأرض والسماء والزيتون والهواء والخبز والملح".