قررت فجأة السفر للمغرب لحضور حفل زفاف شقيق زوجتي في مدينة فاس العريقة، المدينة التي زرتها قبل 20 عاما، كان لابد أن أجهز متاعي بسرعة فموعد الزفاف ليس ببعيد، دخلت الطائرة فإذا بغالبية من كانوا على متنها من الشباب السعوديين وقليل جدا من العائلات، كانت تجلس في المقعد الذي أمامي فتاة مغربية وماهي إلا لحظات بعد إقلاع الطائرة حتى رأيت رجلا يحمل أمامه بطنا كبيرا وغزا الشيب رأسه ووجهه ينتقل من جوار أصدقائه ليجلس بجوار الفتاة ويبدأ في سرد قصة حياته متخللة بكثير من (الهياط) والفتاة تتأفف ولسان حالها يقول ابعدوا هذا عني أرجوكم، المهم غطت أو تظاهرت بالنوم ورجع هذا لأصحابه يجر أذيال الهزيمة! وصلت الطائرة إلى مطار الدار البيضاء وحقيقة وجدت زيادة في التنظيم وحسن استقبال وتعاملا راقيا من الموظفين، وعند خروجي من المطار تأملت في وجوه بعض شبابنا فإذا الفرحة (تشق) وجوههم ويتلفتون يمنة ويسرة كمن يبحث عن شيء فقده! استقبلنا العريس في المطار وأخذنا بسيارته إلى فاس سالكا طريقا جديدا توقفنا فيه مرات عدة عند نقاط لدفع رسوم السير، حتى وصلنا فاس مدينة العلم والحضارة وعاصمة التقاليد العربية والإسلامية العريقة التي اتخذها ملوك عدة للمغرب عاصمة لهم، تدهشك فاسالمدينة القديمة بروعة الأبنية والزخارف الأندلسية المنقوشة على الجدران وروائح البهارات والعطور التي تنتشر في الأزقة، لابد أن يستهويك جمال برك المياه الصافية المعدنية التي تستخدم للاستشفاء في مولاي يعقوب وسيدي حرازم والتي زودت بأماكن استحمام عصرية، وماهي إلا ساعة من الزمن من فاس بالسيارة إلا وأنت في (إفران) المدينة الأجمل في المغرب وأفريقيا ككل، بأشجار الصنوبر الباسقة والجو البديع والمطاعم السياحية الفاخرة وحقا من أطلق عليها أنها سويسرا المغربية، لأنها هي بالفعل. استضافني الحاج حسن في منزله الجميل في فاس، ولم أر في حياتي شخصا مضيافا مثله وحريصا على إكرام الضيف وتقديم ما لذ وطاب من أطايب الطعام، حتى ظننت أنه يريد أن يطعمني ويضع لقمات الأكل في فمي من شدة حرصه، أما حفلة العرس فلن تكفي هذه السطور لوصف ما بها من بهجة وفرح وسرور وتقاليد عريقة متوارثة تجعل حفل الزواج اسطوريا بمعنى الكلمة. تجولت في هذه الأماكن في فاس خصوصا وأسفت أنني لم أر أيا من أبناء وطني هناك، وكم تمنيت أن تكون المغرب البلد العربي المضياف الجميل بكافة مدنه قبلة للعوائل السعودية التي تقضي الإجازات في أوروبا وتدفع المبالغ الطائلة هناك ثم نجد إعلامهم ينتقد ويزدري سلوكياتنا التي قد يراها البعض عادية، ففيها الجو البديع والطبيعة الخلابة والمعاملة الراقية والأجواء المحافظة ويكفي أن يستنشق هناك عبق التاريخ والأصالة ويتذكر أمجاد العرب المجاهدين الذين نشروا الإسلام في أوروبا بأخلاقهم وتعاملهم وعلمهم وحضارتهم..