مخطط العصف بالمنطقة مازال قائما، ومازال وطننا في بؤرة اهتمام الساعين لاستكمال ذلك العصف، وقد تعددت الوسائل لإحداث فوضى داخلية مستهدفين فك اللحمة الوطنية بضرب فئات المجتمع بعضهم ببعض، فلعب الساعون على جميع أوتار الأطياف وافتعال سبب للخصومة علهم يجدون وسيلة ناجعة في خلق الفوضى الداخلية ومن ثم إشعال الفتنة سواء كانت مذهبية أو طبقية أو التشكيك في الرموز الوطنية أو إسقاط الهيبة أو التعلل بالوفرة والشح مناطقيا أو إسقاط الاتهامات بالجملة. هذا الاستهداف مازال مستمرا، فمنذ دوران عجلة ما سمي بثورات الربيع العربي والتي كانت المملكة بمنأى عنها بفضل الله وبفضل قيادتها الحكيمة والتفاف الشعب حول قيادته، زاد حقد واستياء الكثير من المخططين والموتورين. ومن هذا الطريق نستطيع محاصرة تهمة التشكيك في قدرة المملكة على إدارة شؤون الحج، فمطلق تلك التهمة يسعى منذ زمن طويل إلى إسقاط هيبة الدولة ولتحقيق ذلك الهدف تعددت الوسائل وعندما جاءت حادثة تزاحم الحجيج في مشعر منى كانت ألسنة الخصوم أكثر شماتة وأعمق اتساعا بضرب سيادة الدولة واتهامها بعدم المقدرة. ولأن هذه التهمة ليست واقعية يشهد على نقضها السنوات الطويلة التي نهضت فيها الدولة برعاية الحجاج وتوفير كل السبل لراحة ضيوف الرحمن.. كما أن أرقام الميزانية المدفوعة لتوسعة وعمارة الحرمين الشريفين وتطوير المشاعر المقدسة خير شاهد بأن الدولة وفرت المال والجهد والرجال من أجل خدمة الحجاج والمعتمرين.. وفكرة تدويل الحرمين فكرة منسوخة من بعض الحركات والمعتقدات الخبيثة، ولأن الواقع الدولي بكل قوانينه واتفاقياته ومعاهداته ارتضى بهذا الوجود السياسي فإن ظرفية المكان للحرمين هو الذي يمنح السيادة لمن له سيادة المكان وأي مطالبة للتدويل هي تغول على سيادتها وفي هذا كشف حقيقي للنوايا التي أطلقها أصحاب التهمة. والمكان وجود تاريخي بما حمل من بشر ولهذا لا يمكن نزع أصحاب المكان بما ألبسهم الله من عز وفخر بخدمتهم لضيوفه، وعبر التاريخ -من قبل الإسلام- كان أهالي مكة هم المرحبون والراعون والخدم لكل من زار البيت الحرام.. وفي هذه الجزئية لا يمكن لأي مشكك أن يطال هذه الحقيقة ولا يمكن له أيضا أن يدفع بأناس ليقوموا بدور وظيفي بينما أهل مكة يعتبرونه شرفا وليس وظيفة. إن المملكة تنهض بخدمة الحجيج بدءا من الملك الذي ارتضى أن يكون خادما للحرمين إلى أصغر شخص سنا أو مقاما يفاخرون بالشرف الذي من الله به عليهم. ولأن المملكة لم تطلب من أي دولة تصريف نفقات الحرمين (وهي نفقة مهولة جدا) فمن المفترض أن تكون مساعدة المملكة من خلال التقليل في أعداد الحجاج ليس لعدم مقدرة في رعايتهم وخدمتهم وإنما استيعاب حقيقة أن المشاعر المقدسة محدودة المساحة ومهما عمل من جهد لتوسعتها (بما في ذلك الحرم المكي) فسوف يأتي زمن لا تستطيع الدولة المضي في التوسعة لكي لا تكون التوسعة خارجة عن نطاق الحرم. ومن المساعدة التي يجب الاهتمام بها من قبل الدول الإسلامية تدريب الحجاج وإرشادهم قبل وصولهم إلى المشاعر المقدسة. ونحتاج اليوم أن نستذكر المثل الشعبي الشهير (أهل مكة أدرى بشعابها) فلتكف ألسنة الحاقدين فليس لهم دراية بنفوس ودروب وروحانية مكة.