حظي قطاع الرياضة والشباب في المملكة العربية السعودية باهتمام خاص من جميع ملوك هذه البلاد، وأولت الحكومة الرشيدة شريحة الشباب حيزا كبيرا من الاهتمام والرعاية خلال ثمانية عقود، إذ حرصت خلالها على الارتقاء بالشاب إلى مكانة مرموقة ورفيعة يضاهي بها اليوم أقرانه في مختلف دول العالم، وأعطت بسخاء كثيرا من الدعم لهذه الفئة التي بلغت عبر أجيالها المختلفة مواقع كبرى صوبت الأنظار إليها بصفتها نموذجا مشرفا وحضاريا لدولة إسلامية، فقدمت شبابها على نحو لائق في مختلف المجالات وعلى كافة المستويات الإقليمية والقارية والدولية، ولطالما شكل تطوير قطاع الرياضة والشباب هدفا دائما لولاة الأمر منذ عهد المؤسس الملك عبدالعزيز -يرحمه الله- وحتى عهد ملك الحزم سلمان بن عبدالعزيز -يحفظه الله ويرعاه. وتصدرت الرياضة السعودية عناوين الحديث ومقدماته في القارة الصفراء، إذ أنها ومنذ ما يزيد عن نصف قرن من الزمان فرضت نفسها بقوة على خارطة المشهد القاري، وبلغت خلاله مرتقى ساميا وضعها على عرش أكبر قارات الأرض مساحة وأكثرها كثافة سكانية، الأمر الذي منحها شأنا مهما على المستوى العالمي أسهم في إبراز كفاءة الشباب السعودي وقدراته بشكل إيجابي، ويستدعي الحديث عن علاقة السعودية بالرياضة إجمالا وكرة القدم على نحو خاص وما وجدته من دعم سخي من ملوك هذه البلاد، تواريخ راسخة شهدت فيها تحولات نوعية وقفزات مهمة شكلت نواة أولى لما نحن عليه اليوم من تنظيم مؤسسي وشكل احترافي لمنظومتنا الرياضية. عهد المؤسس .. النشأة والتوجيه يؤكد المؤرخون والمعاصرون أن دخول التنافس الرياضي لأول مرة في العهد السعودي الحديث، كان منذ أيام المؤسس الملك عبدالعزيز بن عبدالرحمن آل سعود -يرحمه الله- في العام 1345ه، حين وضع النهج الإسلامي القويم خارطة لتطوير شباب المملكة ونهجا لهم في مختلف شؤونهم، فشهد حكمه ظهور منافسات محدودة وبأنماط مختلفة صبت غالبيتها في الفروسية والرماية، التي حرص على أن يتم الاعتناء بها وأن يتم التركيز عليها رغم ظروف نشأة الدولة وحداثتها قياسا بكثير من دول العالم، ومازال السعوديون يحتفظون بكلماته وتوجيهاته التي حث فيها الشباب على التمسك بالقيم النبيلة والتنافس الشريف في مختلف شؤون الحياة بما فيها الرياضة، ولم يقتصر الأمر عند حدود الفروسية والرماية، إذ يذكر التاريخ وبحسب حديث للمؤرخ محمد القدادي فإن الملك عبدالعزيز -طيب الله ثراه- شرف مباراة لكرة القدم في مدينة الظهران بين فريقي (الاتحاد) و(التوفيق) من الظهران في مباراة وصفها بالتاريخية لكونها الكأس الوحيدة التي حضرها في كرة القدم وهي بحسب حديثه أول كأس ملكية سعودية وكانت عام 1366ه، الأمر الذي يعني أن هذا العهد شاهد على أول نشاط رياضي في كرة القدم أيضا. الملك سعود .. التنظيم والتأسيس ظهرت الرياضة في حقبة أول أنجال المؤسس الملك سعود بن عبدالعزيز -يرحمه الله- بشكل أكثر تنظيما، إذ تبلورت بصورة موثقة في العهد السعودي الثاني حين بدأت مرحلة جديدة من التنظيمات الأساسية للحركة الرياضية، وفي مقدمة ذلك البطولات والمسابقات الرسمية لكرة القدم على كأسه -رحمه الله- وكأس سمو ولي العهد، وتأسس في عهده الاتحاد السعودي لكرة القدم وبعض الجمعيات الإشرافية على ألعاب القوى والسلة والطائرة والدراجات، وكذلك اللجنة الرياضية العليا بوزارة المعارف ثم إدارة رعاية الشباب بوزارة العمل والشؤون الاجتماعية، وشهدت الرياضة في عام 1372ه مرحلة التنظيمات الرسمية والإشراف الحكومي على النشاط الرياضي، وذلك عندما أنشئت إدارة الشؤون الرياضية بوزارة الداخلية التي تولت مسؤولية النشاط في السعودية إجمالا ووضعت قواعد التأسيس للرياضة السعودية. الفيصل .. التطوير والتنافس تطورت الرياضة بشكل نوعي في عهد الملك فيصل -يرحمه الله- مواكبة مع النهضة الشاملة التي شهدتها الدولة بمختلف قطاعاتها، بما فيها قطاع الشباب والرياضة الذي نال حيزا كبيرا من رعايته، إذ أولى الرياضة والرياضيين اهتماما خاصا تمثل في دعمه للكثير من المناسبات والدورات والمنافسات الكبرى، فأقيمت على شرفه أولى المسابقات للخيل عام 1388ه والهجن عام 1393ه وافتتح رحمه الله استاد الملز عام 1390ه، ورعى دورة الخليج الثانية، ودشن نادي الحرس الوطني عام 1392ه، ويرى كثيرون أن العهد السعودي الثالث شكل بداية فعلية لعمل الاتحادات الرياضية ونشأة الأندية وظهور أول قواعد البنية التحتية للملاعب بما فيها الملز الذي مازل شاهدا على أهم البطولات في تلك الحقبة. خالد .. الرعاية والدعم أعطى الملك خالد -يرحمه الله- الرياضة والرياضيين نصيبا وافرا من اهتمامه خلال فترة حكمه للبلاد، وشرف عددا من النهائيات على كأس جلالته ورعى عددا من سباقات الهجن السنوية، وشهد عهده أولى المشاركات الرسمية للفرق الرياضية السعودية في الدورات والبطولات الدولية ومنها الدورات الآسيوية والأولمبية وبطولة كأس العالم لكرة القدم، وشارك المنتخب السعودي في تصفياتها التمهيدية لأول مرة عام 1397ه/ 1977م، وظهرت العديد من البطولات في عهده رحمه الله، حيث كان حريصا على دعم الشباب والرياضيين بحضور الكثير من المناسبات حتى في الأوقات الصعبة، إيمانا منه بأهمية هذه الفئة وقيمة تواجدها على مختلف المحافل والأصعدة. الفهد .. النهضة الرياضية يسجل التاريخ للحقبة الرياضة في عهد خادم الحرمين الشريفين الملك فهد بن عبدالعزيز يرحمه الله، أفضلية خاصة بما حفلت به من قفزات هائلة وإنجازات نوعية على مختلف المنافسات والألعاب والدرجات، فأقيمت المنشآت الرياضية للأندية ودشنت العديد من الملاعب بينها استاد الملك فهد الدولي والمجمع الأولمبي بالرياض والمدن الرياضية. وحققت المنتخبات الوطنية وفرق الأندية الكثير من الانتصارات والبطولات الخليجية والعربية والآسيوية والعالمية، خاصة في لعبة كرة القدم، حيث تأهل المنتخب للعب في كأس العالم في فترة حكمه -يرحمه الله- 3 مرات، وحقق لقب كأس آسيا 3 مرات، وتوج منتخب المملكة للناشئين بكأس العالم. وتميزت الرياضة في عهده -يرحمه الله- بأن استضافت المملكة أعرق البطولات بينها دورات الخليج ودورات العرب الرابعة، إلى جانب استضافة بطولة كأس العالم الخامسة للشباب وبطولات القارات الدولية التي أسست بأمره يرحمه الله وشاركت فيها منتخبات العالم الكبرى. عبدالله .. رعاية وسخاء منح خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز -يرحمه الله- الشباب والرياضة الكثير من اهتمامه ودعمه، ورغم التحديات الصعبة التي واجهت الرياضية السعودية في تلك الفترة إلا أن الرعاية التي حظيت به ساهمت في تطويرها على نحو أكثر احترافية وتنظيما ومواكبة للرياضة العالمية، وشهدت فترة حكمه إعادة التنظيم الرياضي في الاتحادات الرياضية واعتماد أول جمعية عمومية منتخبة للاتحاد السعودي لكرة القدم وأول مجلس إدارة منتخب، وتم تأسيس أول رابطة للأندية المحترفة وصنف الدوري السعودي بصفته واحدا من أهم الدوريات على مستوى العالم عن القارة الآسيوية، كما قدم -رحمه الله- في عامه الأخير هدية إلى الرياضيين تمثلت في مدينة الملك عبدالله بن عبدالعزيز الرياضية في جدة، حيث افتتح استاد الجوهرة وشهد آخر النهائيات على كأسه رحمه الله. سلمان .. بوادر الخير حظي الرياضيون بشرف الرعاية الكريمة من خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز آل سعود -يحفظه الله ويرعاه- منذ الأيام الأولى في عهده الميمون، حين شملتهم أوامر الخير الملكية عبر الدعم السخي لأندية الوطن والقطاعات الرياضية والشبابية على اختلاف درجاتها واهتماماتها. وخلال الفترة الوجيزة منذ توليه مقاليد الحكم في البلاد نالت الرياضة السعودية جملة من المكاسب والإنجازات، وحققت قفزات نوعية على عدة مستويات، أعطت مؤشرا على عهد خير وافر لرياضة الوطن في ظل حكم ملك الحزم والعزم سلمان بن عبدالعزيز. ففي الأشهر القليلة الماضية ارتفعت عائدات الأندية عبر دعمه السخي لها بما يضاهي نصف مليار سعودي، نال كل ناد من أندية الدرجة الممتازة 10 ملايين ريال، فيما حظيت أندية الدرجة الأولى ب 5 ملايين ريال مقابل مليوني ريال لبقية الأندية المسجلة رسميا في بقية الدرجات، ورعى أول نهائي على كأسه -حفظه الله- وتشرف نادي الهلال بتحقيقه ليكون أول من حظي بشرف التتويج من يده الكريمة بعد توليه مقاليد الحكم. واعتمدت في الفترة الماضية مجالس عدة إدارات أندية جديدة ومشاريع إنشاء مقار حديثة لها، كما شهدت الرياضة السعودية عددا من الإنجازات على مستوى الألعاب المختلفة، وحظي المنتخب الأولمبي لكرة القدم بأولى الإنجازات للكرة السعودية خارجية في حكمه، عندما توج بلقب بطولة المنتخبات الأولمبية لكرة القدم التي أقيمت في البحرين. وأولى -حفظه الله- قطاع الشباب والرياضة حيزا كبيرا من اهتمامه، ويحث بشكل مستمر العمل على تكريسها لخدمة الوطن بعيدا عن التعصب والإساءات وما يخالف العقيدة الإسلامية السمحاء. وظل خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز -يحفظه الله- على عهده بدعم الشباب والرياضيين منذ أن كان أميرا على الرياض وإلى أن أصبح ملكا، إذ رعى المناسبات الرياضية والنهائيات الكبرى ودعم المتميزين لرفع روح المنافسة الشريفة وتنمية قدراتهم للبناء والتطوير. وكان أول لقاء في بطولة كأس المؤسس لكرة القدم المواكبة لمرور 100 عام على تأسيس الدولة السعودية قد حظي بشرف رعايته الكريمة له عندما كان أميرا للرياض، وهو امتداد لرعايته للكثير من الأحداث الرياضية الكبرى التي أقيمت في الرياض، بينها كأس دورة الخليج العربي الثانية عام 1972 ثم كؤوس ملوك البلاد وأولياء العهود نيابة عنهم، ورعى كأس دورة كأسي الخليج الثامنة عام 1988 والخامسة عشرة في الرياض عام 2002، ورعى سباقات الفروسية الكبرى ومازال يغدق على الوطن ورياضييه بالدعم السخي والاهتمام الكبير، ورعى أول كأس ملك باسمه حفظه الله، وتوج فريق الهلال ببطولته، ويسود التفاؤل جميع السعوديين في أن يكون عهد الملك سلمان بمشيئة الله عهدا مليئا بالإنجازات والألقاب والتطوير في مختلف القطاعات والمجالات.